بيت لحم 2000 - في إنجاز جديد يضاف إلى رصيد الإبداع الفلسطيني، فاز الكاتب والروائي محمد جبعيتي بجائزة "كتارا" للرواية العربية لعام 2025 عن روايته "الطاهي الذي التهم قلبه"، ليؤكد أن الأدب الفلسطيني ما زال قادراً على تجاوز الحصار والجدران، وأن الكلمة تبقى سلاحاً يقاوم الاحتلال وينتصر للهوية والإنسان.

وجاء هذا الفوز ضمن إعلان رسمي لمؤسسة "كتارا" التي كرّمت ثلاثة أدباء فلسطينيين في دورتها الحالية، في إشارة إلى الحضور النوعي المتنامي للأدب الفلسطيني في المشهد الثقافي العربي، وإلى قدرة المبدعين الفلسطينيين على إيصال أصواتهم إلى العالم رغم القيود والمعاناة.

وعبّر جبعيتي عن سعادته بهذا الفوز قائلاً: "فوزي بجائزة كتارا ليس نجاحًا شخصيًا فحسب، بل هو تتويج للرواية الفلسطينية كلها، لأننا نسعى إلى إيصال سرديتنا وصوتنا إلى العالم أمام الرواية المضادة التي يروّجها الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف جبعيتي في حديث خلال برنامج "يوم جديد" مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو "بيت لحم 2000": أن الجائزة تحمل أهمية خاصة كونها "من أضخم الجوائز العربية، تمر عبر أربع مراحل من التحكيم، وتتيح للرواية الفائزة الانتشار والترجمة إلى اللغة الإنجليزية"، مشيراً إلى أنه وقّع بالفعل عقد ترجمة الرواية ضمن مشروع الجائزة، لتصدر قريبًا باللغة الإنجليزية.

وحول فكرة الرواية التي حملت عنوانًا لافتًا ومحملاً بالرموز، أوضح جبعيتي أن أعماله لا تنطلق من أفكار جاهزة أو شعارات سياسية، بل من "تفاصيل صغيرة وتجارب شخصية تتحول إلى نصوص تعكس الهم الجمعي الفلسطيني".

وقال: "أنا لا أكتب رواية عن الاحتلال بشكل مباشر، بل عن الإنسان الفلسطيني، عن حياته اليومية وأحلامه البسيطة التي تصبح تحت الاحتلال معارك وجودية".

الرواية، كما يصفها مؤلفها، تستلهم المطبخ الفلسطيني كفضاء رمزي وثقافي، حيث يوظف من خلاله فعل الطبخ كأداة فنية للتعبير عن الهوية، وسرقة الاحتلال للمأكولات الشعبية كرمز لمحاولات طمس الثقافة الفلسطينية. ويضيف: "عملت لفترة مساعدَ طاهٍ، ومن خلال تلك التجربة اكتشفت أن الطبخ يمكن أن يكون وسيلة لحكاية قصتنا، فالمائدة الفلسطينية تحمل ذاكرتنا، ومذاقها يروي حكايتنا تحت الاحتلال".

واستغرق جبعيتي قرابة عامٍ ونصف لإنجاز الرواية، بعد مراحل من التحضير والبحث والمقابلات الميدانية، سعيًا لتقمص تفاصيل شخصياتها وواقعها. ويرى أن الأدب الفلسطيني يعيش اليوم مرحلة جديدة من الانفتاح، إذ أصبح الجيل الشاب من الكتاب أكثر جرأة في الطرح والتجريب، وأقرب إلى تناول القضايا من منظور إنساني يتجاوز الشعارات السياسية.

"نحن نكتب عن حياة الفلسطينيين اليومية التي تبدو عادية لكنها في واقعنا استثنائية، فالزواج، والتنقل، والعمل، كلها تفاصيل بسيطة في أماكن أخرى، لكنها هنا تتحول إلى أسئلة وجودية"، يقول جبعيتي.

وعن توقعه للفوز، أوضح الكاتب أنه لم يكن يسعى للجائزة بقدر ما كان يسعى "للاستمرار في الكتابة بوصفها فعلاً وجودياً يمنح الإنسان القدرة على الفهم والتعبير"، مضيفًا أن "الكتابة مكافأة بحد ذاتها، لأنها تمنحنا وسيلة لفهم العالم حولنا والتعبير عن ذواتنا".

وفي رسالة وجّهها إلى الشباب الفلسطيني الموهوب، دعا جبعيتي إلى المثابرة والإصرار قائلاً: "الرحلة أهم من الوصول. لا تتوقفوا عند العقبات، واصلوا شغفكم بالقراءة والكتابة، وتعلموا من النقد والتجارب، لأن الإنسان هو حلمه وما يحققه".

أما عن مشاريعه القادمة، فكشف أنه يعمل على فكرة رواية جديدة تتناول حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال من زاوية مختلفة، قد تكون مرتبطة بعوالم مهنية أو إنسانية غير مطروقة في الأدب العربي، مؤكداً أن مشروعه الإبداعي سيبقى وفيًا للإنسان الفلسطيني في تفاصيله اليومية البسيطة التي تحمل في جوهرها حكاية الصمود.

بهذا التتويج، يواصل محمد جبعيتي مسيرته الأدبية التي تمتد لأكثر من عشرين عاماً، مجسداً في أعماله التقاء الوجع بالجمال، والمقاومة بالإبداع، ليؤكد أن فلسطين لا تزال تكتب حضورها في سماء الأدب العربي، وأن الرواية الفلسطينية قادرة على أن تكون صوتاً للحرية والجمال في وجه القهر والاحتلال.

المزيد من التفاصيل في المقطع الصوتي أدناه: