بيت لحم 2000 - تصاعدت وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة خلال الأيام الماضية، مع فرض إجراءات أمنية مشددة واعتداءات متكررة بحق السكان الفلسطينيين، في ظل تنظيم المستوطنين لطقوس تلمودية واحتفالات استفزازية قرب ما يسمى “قبر شمعون الصديق”، في خطوة وصفها الفلسطينيون بأنها محاولة لفرض واقع تهويدي جديد في المدينة المقدسة.
وقال عمر الرجوب من وحدة العلاقات العامة والإعلام في محافظة القدس، إن مئات من جنود الاحتلال اقتحموا الحي منذ يوم الأحد الماضي، وأقاموا حواجز حديدية وبوابات ضخمة على مداخله لتأمين دخول آلاف المستوطنين، الذين أقاموا خيمتين كبيرتين في محيط الموقع المذكور، إحداهما للاحتفالات الصاخبة والأخرى لأداء الصلوات والشعائر التلمودية.
وأضاف الرجوب في حديث خلال "جولة الظهيرة" مع الزميلة سارة رزق، التي تبث عبر أثير "راديو بيت لحم 2000": أن هذه الطقوس لم تكن تُقام في الشيخ جراح سابقاً، بل في شمال فلسطين المحتلة عام 1948، “غير أن سلطات الاحتلال بدأت منذ ثلاث سنوات بنقلها إلى الحي في إطار سياسة تهويدية واضحة، تستهدف تغيير الطابع التاريخي والمعالم العربية والإسلامية للقدس”. وأكد أن الدراسات التاريخية تنفي الرواية الإسرائيلية بشأن “قبر شمعون الصديق”، مشيراً إلى أن الموقع يُعرف تاريخياً باسم مغارة الشيخ صديق السعدي، التي كانت مكاناً للخلوة الصوفية في القرن الثامن عشر ولا تمت بأي صلة إلى شخصيات يهودية.
وأوضح أن الاحتلال يستغل المناسبات الدينية اليهودية لاختلاق أعياد واحتفالات جديدة تتيح له تشديد قبضته الأمنية على المدينة، عبر إغلاق الطرقات، وفرض الغرامات، ونشر آلاف الجنود في الأحياء الفلسطينية، ما ينعكس سلباً على حياة المقدسيين اليومية، ويعرقل وصولهم إلى أعمالهم ومدارسهم.
وأشار الرجوب إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تتراجع حتى بعد وقف إطلاق النار في غزة، إذ تستمر الاقتحامات اليومية وعمليات الهدم والمداهمات والمصادرة، موضحاً أنه خلال الشهر الأخير سُجلت 14 إصابة بالرصاص الحي بين العمال في منطقتي الرام وقلنديا، و70 حالة اعتقال شملت نساءً وأطفالاً، إضافة إلى عشرات قرارات الإبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وعشر عمليات هدم بينها هدم ذاتي قسري، فيما رُصد أكثر من 70 اعتداءً للمستوطنين في القدس خلال هذه الفترة وحدها.
ولفت إلى أن عدد المقتحمين للمسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية الأخيرة تجاوز 9,800 مستوطن، بينما بلغ العدد الإجمالي خلال شهر واحد أكثر من 12 ألف مستوطن، في مؤشّر على تصاعد الاستهداف الممنهج للمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة.
وفي ما يتعلق بالجهود الرسمية، أوضح الرجوب أن محافظة القدس تواصل يومياً توثيق الانتهاكات ورفعها إلى الجهات الحقوقية والدولية والسفارات الفلسطينية حول العالم، رغم القيود المفروضة على عملها من قبل سلطات الاحتلال ومنع محافظ القدس من دخول مكتبه.
وقال: “نحن نحرص على أن نكون حلقة وصل بين المواطن المقدسي والمؤسسات التي تقدم الخدمات وتعزز صموده، ونصدر بيانات وتقارير صباحية ومسائية وشهرية توثق جرائم الاحتلال، وتصل إلى كل المحافل الدولية”.
وأكد أن القدس ليست بحاجة إلى من يسمع صوتها فحسب، بل إلى أفعال تردع الاحتلال، محذراً من أن صمت المجتمع الدولي يمثل “ضوءاً أخضر” لإسرائيل لمواصلة جرائمها وانتهاكاتها ضد الفلسطينيين.
كما تحدث الرجوب عن الأوضاع المعيشية الصعبة للمقدسيين، موضحاً أن سلطات الاحتلال تفرض قيوداً خانقة على التعليم والعمل والبناء، وتمنع إصدار تراخيص بناء للفلسطينيين، فيما تُغرقهم بالمخالفات والضرائب الباهظة، قائلاً: “المواطن المقدسي يدفع أضعاف ثمن بقائه في مدينته، لكنه يصر على الصمود والتمسك بأرضه”.
وأشار إلى أن نسبة الفقر والبطالة في القدس في ارتفاع مستمر، وأن الشباب يعانون من انعدام فرص العمل والتمييز العنصري في سوق العمل الإسرائيلي. كما شدد على أن محافظة القدس، بالتعاون مع وزارة شؤون القدس ومؤسسات محلية ودولية، تعمل على دعم المواطنين بالمساعدات الزراعية والتعليمية والطبية، بهدف تعزيز قدرتهم على البقاء في مدينتهم رغم كل التحديات.
وفي ختام حديثه، قال الرجوب إن استهداف الشخصيات الوطنية في القدس يأتي ضمن سياسة الاحتلال لتفريغ المدينة من رموزها، مشيراً إلى قرارات الإبعاد المتكررة بحق رجال الدين، والمحافظ عدنان غيث، ووزير شؤون القدس الدكتور أشرف الأعور، وعدد من قيادات حركة فتح، إضافة إلى تعطيل الفعاليات الوطنية والمجتمعية الفلسطينية.
وأكد أن كل هذه الإجراءات تهدف إلى “تهجير المقدسيين وتفريغ القدس من هويتها الفلسطينية والعربية”، داعياً إلى “موقف عربي ودولي حازم” لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في المدينة المحتلة.
المزيد من التفاصيل في المقطع الصوتي التالي:
أسعار العملات