بيت لحم 2000 - من بين رماد المعاناة تولد حكايات المجد الفلسطيني، ومن بين جدران الصبر تنبثق قصص التحدي. في حديثٍ ملهم، روى المدرب الفلسطيني أحمد أبو الدخان قصة بطلةٍ صغيرة، فيفيان عليص، التي رفعت علم فلسطين عاليًا على منصة التتويج بعد فوزها بأول ميدالية ذهبية في تاريخ مشاركة فلسطين بدورة الألعاب الآسيوية المقامة في العاصمة البحرينية.

وقال أبو الدخان في حديث خلال برنامج "يوم جديد" مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو "بيت لحم 2000": "الشعور كان مزيجًا من الفخر والدهشة والتحرر. كنا نحلم أن يرى العالم الوجه الحقيقي للفلسطيني القادر على الإنجاز رغم الألم. الرياضة أصبحت وسيلتنا لنقول إننا ما زلنا هنا، نعمل ونبدع وننتصر."

فيفيان، ابنة الثانية عشرة، بدأت رحلتها بدافع الشغف، لكنها وصلت إلى قمة الذهب بالإصرار والإيمان. وأوضح مدربها أن هذا الفوز لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تراكم سنوات من العمل والالتزام، قائلاً: "تحضيراتنا لا تبدأ قبل البطولة بشهر أو اثنين، بل تمتد لسنوات. رياضات القتال تحتاج تراكمًا معرفيًا وفنيًا، والتدريب المستمر هو سر النجاح. فيفيان خضعت لمعسكرات داخلية وخارجية، وتبنّت مبدأنا في النادي: تدرّب وكأنك ستنافس غدًا."

وتابع أبو الدخان قائلاً إن اللاعب الذي يتدرّب فقط من أجل بطولة واحدة لن يتطور، مؤكدًا أن النجاح يأتي من جعل الرياضة أسلوب حياة، وهذا ما تميزت به فيفيان التي خاضت البطولة بثقة وإيمان كامل بقدراتها. وأضاف: "منذ دخولها حفل الافتتاح بزيها الفلسطيني وشعرها المضفور، لفتت أنظار الجميع. الاتحاد الدولي نفسه اهتم بها، لأنها كانت تمثل فلسطين، وكانت مفعمة بالثقة والإصرار."

ورغم قوة المنافسات مع لاعبات محترفات من الصين ولبنان، أثبتت البطلة الصغيرة جدارتها لتتوج بالذهب وتكتب اسمها في تاريخ الرياضة الفلسطينية. يقول مدربها مبتسمًا: "في الحقيقة، أنا كنت أكثر توترًا منها خلال المباريات. كانت فيفيان أكثر هدوءًا وتركيزًا، أما أنا فلم أستطع حتى استخدام هاتفي من شدة التوتر!"

وعن إهداء فيفيان فوزها لأهل غزة وللرياضيين الشهداء والمصابين، قال أبو الدخان: "لم يكن يحتاج إلى تفكير. في هذا الزمن لا أحد يستحق الإهداء أكثر من غزة، ومن الأطفال الذين يعيشون تحت الحصار والدمار. رسالتنا كانت إنسانية ووطنية قبل أن تكون رياضية."

ويؤكد المدرب الفلسطيني أن الرياضي لا يمكن فصله عن قضيته، قائلاً: "نحن لا نعيش صراع التوازن بين الرياضة والوطن، لأننا أصلًا نمارس الرياضة كجزء من رسالتنا وهويتنا. حين نشارك بلباسنا وكلماتنا، نحن نحمل فلسطين إلى العالم. كل فوز لنا يعني أن على هذه الأرض شعبًا يستحق الحياة."

ويرى أبو الدخان أن ما يميز اللاعبين الفلسطينيين هو أنهم لا يلعبون من أجل الميدالية فقط، بل من أجل إيصال صوت الوطن، موضحًا: "اللاعبون من الدول الأخرى ينافسون بدافع الشغف، أما نحن فننافس بدافع الرسالة. كل ضربة، كل فوز، هو رسالة مقاومة."

وأشار المدرب إلى أن هذا الإنجاز الذهبي فتح فصلًا جديدًا في تاريخ اتحاد المويتاي الفلسطيني، موضحًا أن الاتحاد بصدد إعداد برامج تدريبية جديدة للاعبين الموهوبين، ومؤكدًا استمرار المشاركات الخارجية رغم التحديات، وقال: "بعد أسبوع سنتوجه إلى السعودية للمشاركة في دورة التضامن الإسلامي، وسنستمر في رفع اسم فلسطين عاليًا. ما يميز اتحادنا أننا لم نتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة، لا بسبب الحرب ولا الأوضاع الاقتصادية. كنا نؤمن أن غيابنا عن الساحات العالمية يعني غياب فلسطين، وهذا ما لا نسمح به."

وفي ختام حديثه، وجه الكوتش أحمد أبو الدخان رسالة مؤثرة إلى الشباب الفلسطينيين والناشئين قائلاً: "لا تجعلوا الظروف عذرًا. التحديات هي التي تصنع منكم أبطالًا. أحد الأهالي قال لي بعد فوز فيفيان: (هذه أول مرة نفرح منذ عامين). هذه الجملة وحدها تساوي كل الميداليات."

وأضاف: "من قصة فيفيان نتعلم أن لا شيء مستحيل على الفلسطيني. كل ما نحتاجه هو الإيمان، والإرادة، والشغف. فحتى من تحت الركام، يمكن أن تولد الميداليات."

المدرب أحمد أبو الدخان لم يصنع بطلة فقط، بل جسّد من خلال فيفيان عليص روح الفلسطيني الذي يقاتل بالإصرار والموهبة، ويثبت للعالم أن الرياضة ليست مجرد منافسة، بل وسيلة لحمل الرسالة والهوية الفلسطينية إلى المنصات العالمية.

المزيد من التفاصيل في المقطع الصوتي أدناه: