بيت لحم 2000 - قال وزير الصحة ماجد أبو رمضان، إن نحو 190 ألف طفل تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح ضد مرض شلل الأطفال في المحافظة الوسطى في قطاع غزة، موضحا أن العدد أقل من المطلوب.
وبين أبو رمضان أن الحملة تستهدف تطعيم 640 ألف طفل في القطاع، حيث بدأت في المحافظة الوسطى لمدة أربعة أيام، وتنتقل إلى محافظة خان يونس وجنوب القطاع لمدة أربعة أيام أخرى، قبل أن تصل إلى محافظتي غزة وشمال غزة، مشيرا إلى أن الوزارة كانت تسعى إلى الوصول إلى 220 ألف طفل على الأقل في المحافظة الوسطى التي يتركز فيها العدد الأكبر من المواطنين والنازحين حاليا.
وأكد وزير الصحة أن "الهدف هو أن نصل إلى أكثر من 95% من الأطفال من عمر يوم واحد إلى 10 أعوام، لأن بقاء 10% من الأطفال دون تطعيم يشكّل خطورة في انتشار الفيروس مرة أخرى".
وقال: "نريد التخلص من فيروس شلل الأطفال لأن كل طفل فلسطيني يصاب بالشلل هو مأساة".
وأطلقت وزارة الصحة في الأول من أيلول/سبتمبر الجاري، حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في المحافظات الجنوبية، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وذلك بعد أن سُجلت أول إصابة مؤكدة بالمرض لرضيع يبلغ من العمر 10 أشهر في مدينة دير البلح وسط القطاع، لم يتلقَّ أي جرعة تطعيم.
وقال أبو رمضان إن ظهور "شلل الأطفال" في القطاع هو مأساة وكارثة، خاصة أن آخر حالة شلل أطفال شُخّصت في قطاع غزة كانت في عام 1984، وفي عام 2004 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فلسطين خالية من مرض شلل الأطفال، وبعد 20 عاما يعود هذا المرض في ظل حرب الإبادة المتواصلة على شعبنا في القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وما رافقها من تدمير واسع للبنية التحتية ونزوح متكرر للأغلبية العظمى من المواطنين.
وأوضح وزير الصحة أن فيروس شلل الأطفال الذي اكتُشف في القطاع هو من النوع الثاني الذي تم استئصاله من العالم، وفي عام 2016 تم التوقف عن التطعيم ضد هذا النوع في مختلف البلدان، ما يدل على أن الفيروس لم يأتِ من داخل غزة، بل دخل مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اجتاحت القطاع.
* اللقاح آمن 100%
ومنذ بداية حملة التطعيم، انتشرت شائعات حول مأمونية اللقاح المستخدم، وفي هذا الصدد أكد أبو رمضان أن مصدر هذه الشائعات هو الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا بصفته الرسمية كوزير للصحة وكونه طبيبا من غزة، أن اللقاح آمن 100%، وأكثر من مليار طفل تم تطعيمهم على مدى السنوات السابقة في أكثر من 35 دولة بهذا اللقاح، ولم تثبت إصابة أي طفل بعد تطعيمه.
وتوجه وزير الصحة إلى أبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية بضرورة تطعيم أطفالهم وعدم الالتفات إلى الشائعات التي يبثها الاحتلال، موضحا أن وزارة الصحة عملت على توزيع مراكز التطعيم للتسهيل على المواطنين والوصول إليهم في كل مكان، في ظل الظروف الصعبة التي خلّفها العدوان ونزوحهم من أماكن سكنهم.
وكانت نسبة التطعيم ضد شلل الأطفال وضد الأمراض الأخرى قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، تفوق الـ99%، ولكن العدوان أدى إلى تدهور كبير في إمكانيات التطعيم بسبب تدمير الاحتلال للمستشفيات والمراكز الطبية، والتهجير المتعمد والقسري للمواطنين من مكان إلى آخر عدة مرات، ما أدى إلى تأثر نسبة التحصين إلى 70%.
وأوضح أبو رمضان أن الوزارة تعمل حتى في ظل استمرار حرب الإبادة على توفير اللقاحات للأمراض المختلفة، وتنفذ حملات تطعيم، ولكنها لم تستطع الوصول إلى جميع الأطفال الذين يجب أن يشملهم التطعيم، إذ انخفضت نسبة التطعيم إلى نحو 70-80% حسب المنطقة، ولكننا لم نصل إلى نقطة الصفر.
وحول تدمير الاحتلال واستهدافه المتواصل للقطاع الصحي في غزة، قال وزير الصحة: "عندما تشاهد ما يحدث في غزة تجد صورة من أروع صور البطولة والتفاني في خدمة شعبنا، لأن المستشفيات التي دُمرت أعيد تشغيلها عدة مرات في كل مرة تتعرض فيها للاستهداف، وقبل أيام فقط أعيد افتتاح قسم الطوارئ في مستشفى الشفاء للمرة الرابعة خلال الحرب، في ظل تفاني جميع الفرق الطبية والصحية التي جعلت ذلك ممكنا".
وأشار إلى افتتاح عدة مراكز صحية، حتى في الخيام، لتوفير الخدمة الصحية للمواطنين والنازحين، مستدركا أن كل ما يتم عمله في ظل استمرار حرب الإبادة هو فقط مسكنات، لأن العمل الحقيقي والجدي يكون بوقف شامل وفوري للحرب، وعودة المواطنين إلى أماكن سكنهم، ومنحهم الفرصة لإعادة بناء أنفسهم.
وفيما يتعلق بإعادة بناء القطاع الصحي حال وقف حرب الإبادة، قال: الوزارة وضعت خطة تعتمد على ثلاث مراحل، بدءا من الإغاثة الطارئة منذ اليوم الأول من الحرب، من خلال كوادر وزارة الصحة التي تعمل في القطاع ولم تغادره منذ عام 1994، إضافة إلى إيصال الأدوية والمستلزمات والمستهلكات الطبية والتطعيمات ومواد المختبرات إلى القطاع، والمرحلة الثاني كانت التنسيق لدخول البعثات الطبية من حاملي الجوازات الأجنبية لتسهيل دخولهم وخروجهم من القطاع، خاصة أن الاحتلال يمنع عشرات الآلاف من المرضى والمصابين من مغادرة القطاع لتلقي العلاج في الخارج.
ولفت إلى أن المرحلة الثالثة تمثلت في توفير مستشفيات ميدانية بعد استهداف المستشفيات والمراكز الصحية وتدميرها، موضحا أنه حتى المستشفيات الميدانية استهدفها الاحتلال وتوقفت عن العمل فتم نقلها من مكان إلى آخر.
وبين أن الوزارة ستعمل فور وقف الحرب، على توفير عيادات متنقلة لتقديم الخدمات المختلفة من تطعيم ورعاية أمومة وطفولة، والأمراض المزمنة كالسكري والضغط والقلب، إضافة إلى خدمات علاجية للمصابين. كما ستعمل على تأهيل المراكز الصحية وتقييم الوضع على أرض الواقع، وبناء مستشفيات جديدة وإعادة تأهيل المستشفيات القائمة إن أمكن، للاستجابة للاحتياجات الصحية للمواطنين بأكبر قدر من الكفاءة.
ولفت إلى أن التقديرات المتعلقة بالخسائر في القطاع الصحي غير ثابتة، كون الاستهداف والتدمير مستمرين ويزدادان يوما بعد يوم، وربما نحتاج إلى بناء كل شيء من الصفر، مشيرا إلى وجود وعود من الشركاء في المجتمع الدولي بإعادة إعمار القطاع الصحي، كجزء من الواجب الإنساني عليهم، خاصة أن المجتمع الدولي لم يستطع وقف العدوان حتى الآن، فعلى الأقل تقع عليه مسؤولية إغاثة السكان وإعادة إعمار ما تم تدميره.
* جهوزية القطاع الصحي في الضفة
وبالتوازي مع حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة، فقد صعّد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على شعبنا في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة. وشن الاحتلال مؤخرا عدوانا واسعا على محافظات شمال الضفة، وحاصر المستشفيات واعتدى على الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف واستهدفها بالرصاص وعرقل عملها، خاصة في جنين وطولكرم وطوباس.
وحول جهوزية القطاع الصحي للتعامل مع تداعيات عدوان الاحتلال على شعبنا في الضفة، أكد وزير الصحة أن هناك تكاملا في المنظومة الصحية ومزودي الخدمات من مستشفيات ومراكز صحية حكومية وأهلية وحتى خاصة.
وأوضح أن الوزارة أعدت خطة للتعامل مع الظروف الطارئة ومع مختلف الأحداث على الأرض، مشيرا إلى أن هذه الخطة يتم تطويرها وتحديثها بصورة مستمرة، في ظل تصاعد عدوان الاحتلال واستخدامه لأسلحة جديدة ضد شعبنا، والغارات التي يشنها من الطائرات والمسيّرات، والتجريف والتدمير الواسعين للبنية التحتية من شبكات كهرباء ومياه واتصالات وصرف صحي وطرق.
وتطرق أبو رمضان إلى حصار الاحتلال لمستشفى جنين الحكومي، وإعاقة وصول الجرحى والمرضى إلى المستشفى، ومنع دخول الإمدادات، وإخضاع الطواقم والموظفين للتفتيش في حال الدخول أو الخروج.
وأوضح أن المشكلة الرئيسية التي واجهت المستشفى هي انقطاع الكهرباء والمياه، لافتا إلى وجود مولدات كهربائية في المستشفى تعمل لفترة طارئة فقط ولا يمكنها العمل لساعات طويلة، وتخدم الأقسام الحيوية، ولا تغطي الأقسام كافة، وبالتالي فهذه المولدات لا تغني عن الطاقة الكهربائية.
ولفت إلى أن الفرق الفنية عملت على إصلاح الأعطال في المولدات، التي حدثت نتيجة عملهما لساعات طويلة، كما عملت على توزيع الأحمال الكهربائية على الأقسام المختلفة وفقا للأولويات.
وعلى صعيد توفير إمدادات المياه، قال أبو رمضان إن الوزارة بالتعاون مع بلدية جنين وطواقم الدفاع المدني عملت على تزويد المستشفى بخزانات مياه، في ظل صعوبة صيانة شبكات المياه مع استمرار عدوان الاحتلال على المحافظة.
ويجري العمل على توفير مولد كهرباء احتياطي للمستشفى بالتعاون مع سلطة الطاقة والموارد الطبيعية، وبانتظار وصوله من الموردين الذين يواجهون أيضا صعوبات في إدخال المستلزمات والأجهزة الطبية والأدوية إلى فلسطين نتيجة لإجراءات الاحتلال، بحسب وزير الصحة.
وأثّر انقطاع الكهرباء والمياه عن المستشفى في مرضى غسيل الكلى، وبحسب وزير الصحة، فقد عملت الوزارة على نقل جزء كبير منهم إلى مستشفيات خارج محافظة جنين لتلقي الخدمة، قبل أن تتمكن الطواقم الفنية من إصلاح جزء من شبكتي الكهرباء والمياه وإيصالها إلى المستشفى خلال ساعات، ما مكننا من اسئناف عملية غسيل الكلى لعدد من المرضى داخل المستشفى.
وألغت وزارة الصحة جميع الإجازات لكوادرها الطبية في الضفة الغربية، كما وجهت نداءً إلى النقابات لوقف إجراءات تقليص الدوام أو أي إجراءات نقابية أخرى، التي استجابت على الفور للدعوة.
وتعمل الفرق الطبية داخل مستشفى جنين الحكومي على مدار 24 ساعة، وجرى تقسيمها إلى فترات، وتوفير مبيت وإمدادات أساسية من غذاء ومياه، لضمان توفير الخدمة الصحية للجرحى والمرضى.
وقال أبو رمضان إن الوزارة تعمل باستمرار على استخلاص العبر وإيجاد الحلول لتوفير الخدمات الصحية للمواطنين والارتقاء بها، موضحا أن التجربة الحالية في ظل العدوان المتواصل على محافظات شمال الضفة، خاصة جنين، لم تحدث منذ عام 2002، في ظل تدمير 70% من البنية التحتية للمدينة.
ولفت إلى أن المستشفيات والمراكز الصحية في جنوب الضفة الغربية تعاني أيضا من إجراءات الاحتلال، موضحا أن الحواجز والبوابات التي نصبها وأغلقها الاحتلال في محيط محافظة الخليل، حالت دون تنقل العديد من الطواقم الطبية والوصول إلى أماكن عملها، بالإضافة إلى إعاقة وصول المرضى إلى الخدمات الصحية.
وفي هذا السياق، تعمل الوزارة على توجيه موظفيها وطواقمها إلى العمل في أقرب مستشفى أو مركز يستطيعون الوصول إليه، في حال تعذر وصولهم إلى أماكن عملهم الأساسية.
ودعا أبو رمضان اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى بذل مزيد من الجهود لوقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا، وتوفير الحماية للفرق الطبية وطواقم الإسعاف وتسهيل عملها وتنقلها، وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
ولفت إلى أن الحكومة على اتصال دائم مع المؤسسات الدولية من خلال سفراء دولة فلسطين في العالم، من أجل وقف العدوان على شعبنا فورا، حتى نتمكن من تقديم الخدمات الصحية ومختلف الخدمات التي يحتاج إليها شعبنا على أكمل وجه.
* شبكة مستشفيات القدس
وحول وضع شبكة مستشفيات القدس، قال أبو رمضان إنها تشكل خط الدفاع الأول بالنسبة إلى وزارة الصحة كونها أولا موجودة في القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، كما أنها تقدم خدمات ذات جودة عالية وبعضها غير موجود داخل قطاع غزة أو في باقي المستشفيات في الضفة الغربية.
وأوضح أن 30% من المرضى الذين يتم تحويلهم إلى هذه المستشفيات يأتون من قطاع غزة، وبالتالي حال العدوان دون وصولهم، ما شكل ضغطا ماليا عليها، وهناك أقسام موجودة لكنها لا تعمل.
وأشار إلى أن الضائقة المالية التي تعاني منها الحكومة في ظل قرصنة الاحتلال لأموال المقاصة الفلسطينية، وتداعيات حرب الإبادة والعدوان على الأوضاع الاقتصادية، أدّتا إلى انخفاض قدرتنا على تسديد مقابل الخدمات التي تقدمها مستشفيات القدس وغيرها من المستشفيات الخاصة وشركات توريد الأدوية والأجهزة الطبية للوزارة.
وأوضح أبو رمضان أن الوزارة على تواصل دائم مع الجهات المانحة لتسديد جزء من الديون المترتبة على الحكومة لصالح مستشفيات القدس، وقد نجحنا في تسديد جزء منها، ونعمل على توفير كل الإمكانيات اللازمة لدعمها وديمومة عملها، كونها جزءا لا يتجزأ من نظامنا الصحي الفلسطيني.
* جدري القردة
وحول تسجيل حالات إصابة بجدري القردة في دول الجوار، أكد وزير الصحة أن فلسطين لم تسجل أي حالة، سواء في المحافظات الشمالية أو الجنوبية، مشيرا إلى أن طواقم الرعاية الأولية والطب الوقائي على أتم الجهوزية، ولديها اطلاع على أحدث الطرق للوقاية والعلاج من هذا المرض، ولكن نأمل ألا يصل هذا المرض، لأن الوقاية خير من العلاج.
وحول أهمية برامج الدعم النفسي في ظل ما يتعرض له شعبنا من حرب إبادة وعدوان، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، قال أبو رمضان إن وزارة الصحة تبحث تنفيذ برامج للصحة النفسية مع المنظمات الدولية ذات الصلة، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني بأكمله، خاصة في قطاع غزة، بحاجة إلى علاجات ما بعد الصدمة، وبرامج دعم نفسي، وليس فقط الأطفال.
وفي هذا السياق، تطرق وزير الصحة إلى الظروف المأساوية التي عاشها في قطاع غزة في أول 70 يوما من العدوان، إذ اضطر إلى الخروج من منزله بعد منتصف الليل تحت وطأة قصف الاحتلال على مدينة غزة، والنزوح إلى بلدة الزوايدة في جنوب القطاع، قبل أن يتمكن من مغادرة القطاع إلى العاصمة المصرية القاهرة.
وقال أبو رمضان: "بعد 8 أشهر من مغادرتي للقطاع، لا أستطيع حتى الآن وصف ما شعرت به وما رأيته من مآسٍ ودمار، علما أن الدمار كان في بداياته، ولا توجد كلمات تصف المشهد. وعلى الرغم من أنني طبيب جراح ومعتاد على التعامل مع الإصابات، لا أستطيع أن أصفه، فما بالك بالأطفال والأمهات والأهالي الذين فقدوا العديد من أحبائهم وأقربائهم وأبنائهم وآبائهم؟ المأساة لا توصف".
المصدر: الوكالة الرسمية "وفا".