29-04-2025
broadcast
الأخبار
القضيّة الفلسطينيَّة بين الإحباط والصُّمود
13أبريل، 2025 - 10:12ص

بقلم: دينا أبو دية 

إنَّ أَكثرَ ما يجعلُ القضيَّة الفلسطينيَّة بالنِّسبةِ لشعبِها مَصدرَ إحباطٍ وخيبة أَمل أكثر من كَونها هَدفًا ومَقصدًا في هذه الأَيام، هو تواجدها على مَنصةِ القضية الأَكثر شهرة في العالم! وعلى الرُّغم من أَنّها واجهت انتقاداتٍ ومقتٍ من أصحاب القضايا المنسيّة في العالم على وسائل الإعلام؛ فمثلاً، بَرزَ غَضبُ الأَكرادِ في بداية الحرب على غزة عام ٢٠٢٣ على وسائل التَّواصل الاجتماعي مُطالبين بالاكتراث بقضيتهم كما يفعلون مع الفلسطينيين على حَد تعبيرِهم! اعتقادًا منهُم بأنَّ تلكَ بدايةُ الخلاصِ لكلِّ صاحبِ قضيَّة في تغطيّة أخبارِهِ على الأقل؛ فمساندتِهِ ونَصرَتِهِ على الظَّالِم ولو بالنَّشرِ هي أضعف الإيمان، إلّا أن الحقيقة المؤلمة كَشفت عن جروحها بعدمِ اكتراثٍ فعليّ بمن يُظلَمُ سواءً بقصة منشورةٍ أو غير منشورة، بل وإن كانَت غير متلفزةٍ ستكون عاقِبتها على أصحابها أهونُ بكثير.

منذُ إعلان الحَرب الهمجيّة على غزة، وبلوغ ذروتها في النصف الأَوَّل من تشرين أوَّل، وعلى الرغم من هذا الشعور بالإحباط، فإن الواقع الميداني في غزة كان يحمل صورًا أخرى من التحرك والتضحية؛ حيثُ انفضَّ الصحفيّون الفلسطينيون في غزةَ أوَّلاً للشوارِع لتوثيقِ كُلِّ قَطرةِ دَمٍ تسقط من جَريحٍ مدنيّ، ودمعةُ طفلٍ يبكي عائلتَهُ المذبوحة؛ لينتقلَ بعدَها لوضع الغباش على صور أشلاءٍ وفيديوهاتٍ لأطفال ونساءٍ ورجالٍ وشيوخٍ، ليعرضها أخيرًا علانيَّةً بعد ذلك بعد أن باءت محاولاته السابقة كلها بالفشل؛ فيأخذُها صحفيٌّ من الضَّفةِ الغربيّةِ ينشرُها على وسائل تواصله الاجتماعيَّة حتى تَصِلَ إلى العالَمِ أَجمع؛ أو صحفيٌّ ذو عروبةٍ أو إنسانيةٍ من دول العالم الآخر،وكانو الأَكثر في تلك الحقبة؛ فكلُّ فلسطينيٍّ أَصبحَ صحفيًّا ومُراسِلاً ينقِلُ مأساةَ شعبِهِ وقهرِهِ فنجحوا في ذلك! ليتصدّر توقُّع أَنَّ أخذ الأسباب يجبُ أن يوصل إلى النتيجة.

وَبعد أن وصلت هذه الفظائع للعالم،وانتقلَ الصَّوت والصورة إلى الكونِ كُله بأبشعِ ما يمكن للإنسانِ سماعه أو مشاهدته، وأسوأ قِصصٍ يمكنُ تخيّلها؛ ليرى أخيرًا قذارة الجيش الذي يصف نفسه بالأكثر عدالةٍ وإنسانيةٍ في العالم؛ ظَنَّ الفلسطينيُّ بطبيعتهِ الإنسانيَّة السجيّة وليس عن سذاجة بأنَّ العالَم سيحرِقُ كُلَّ ظالمٍ بنارِه نُصرَةً لقضيّةٍ عادِلة، تم فيها اختراقُ كُل القوانين الإنسانيَّة الدوليَّة التي طالما نادت بها تلك الدول الأوروبية وتبنَّتها الولايات المُتحدة اللتان تصفنَ أنفسهنَّ بالأكثر ديمقراطيَّة وعدالة؛ إلّا أن النتائج خالفت التَّوقعات؛ حيث انكشفت حقيقةُ أنَّ حقوق الإنسانِ التي تتحدثُ عنها تلك الدّول لا تتعدى المثليَّة الجنسيَّة وتغيير الجندرِ، وكلُّ ما ينزلِقُ تحتَ الفسادِ بغطاءِ الحُريّة، وأنَّ أي دَمٍ من ملوَّنٍ لا يُعادلُ دَمًا من أبيضٍ ولا يرقى لإنسانيَّتِهِ.

حَرقُ مستشفى المعمدانيّ الذي كان الصَّدمة الأوّلى والبداية الحقيقية لسيلِ البحر الأحمر لأَهل غزَّةَ، كانَ في نفس الوَقت شرارةَ الأَمَل حتى لعائلاتِ الشُّهداءِ من الدرجة الأولى؛ فمن الطبيعي أن تكونَ هذه الخطوةُ الإجراميّة بمثابةَ فظاعة لا يمكن السُّكوتُ عنها، وسببًا لمنع رفع يد الڤيتو ضد وقف إطلاق النار مَرَّةً أخرى.

كُل البيوتِ التي هُدمت، والدَّم الذي أُراقَ من قَصفٍ جويّ، والهِجرة الإجباريّة لمواطني غَزة، يمكُن للعالَم الأوّل أن يبرِرَهُ بأوقَحِ تباريرٍ يُريدُها، إلا تبريرُ مجزرةٍ بلغَ عدد شُهدائها أكثر من خمسمئةِ شهيدٍ في لَحظة واحدة أمام أعينِ الكاميرات وشاشات التِّلفاز.

إلَّا أنَّ هذه المجزرةَ كانت كاشفةً لأسوأ حقبة زمنيَّةٍ عرفها التَّاريخ في الإنسانيّة؛ فعرَّت غطاءَ الازدواجيّة ومعايير الحقوقِ في الحياة وتقرير المَصير، وبانَ الضَّعف العربي ضعفًا فوق ضَعفه وخذلانًا فوق خُذلانِهِ، وانفجَرَت فقاعةُ المنظمات الدوليّة أمام دماءِ أبرياء غَزَّة، وبرزَت أنيابُ الصّهيونيّة ومؤسسيها، كوحشٍ انقَض على فريسَةٍ وحيّدةٍ لا يعريها أَيُّ حيوانٍ في الغابةِ أي اكتراثٍ أو اهتمام. 

حَربٌ كانَت أسوأَ من حدودِ المَوت والتَّشرُّدِ داخل البلاد، حَربٌ وسّعت أفكار مواطنيها لما هو أَبعدُ من حدود الوَطن؛ حين عَلِمَ أنَّه آخر من يمكِن الاكتراثُ له، وأنَّهُ تحت مؤامرةٍ دوليِّةٍ، وخُطَّةٍ واحدةٍ من خُطَطٍ كثيرة تسعى لانتزاعِ الشَّرق الأَوسط والثأر من عراقَتهِ وجمالِه وماضيه، حَربٌ بدأت بالعديد من الدِّراسات التي وَضعَت الأمَل فيها حين بدأَت وقالت أنَّها شُعلةُ عودة القضية الفلسطينيّة للحياةِ مَرَّةً أُخرى، لتُمسي في النَّهايةِ أبحاثٌ تذهبُ إلى استبياناتِ رغبَّة الهجرَة أو الصُّمود.. أَيُّ صمود؟ وهل هو مُخيَّرٌ أو مسيَّر لذلك؟ 

وإلى هذه اللَّحظة، وفي كل يومٍ يزيدُ عن سابِقهِ، تتوسّع دائرةُ الخُذلانِ والوحشيَّةُ أَكثرَ فأَكثر؛ ليجعل الحرب على غزة الأسوأ في تاريخ البشريّة،حربٌ تعرضها شاشاتُ التِّلفاز والهواتف الذكيّة، التطبيقاتُ الإلكترونية وشوارع العواصم، حربٌ صامتةٌ، رجعيَّةٌ، شيطانيّة، كاشفة لعالَمٍ لا تستوي فيه النَّفسُ البَشريَّةُ إلّا بمعايير الدُّول العُظمى الغاشِمة؛ إلَّا أنَّها تَكشِفُ حقيقةً لا يُمكِن الالتفاتُ عنها، وهي حقيقةُ أن الفلسطينيينَ هُم أَفضَل شُعوبُ الأرض في الدفاعِ عن أوطانهم وحدهم، وحدهم ولوحدِهِم فقط! 

ووسط هذا السَّيل الجارف من الخذلان والوحشية التي تمعنُ في تمزيق أوصالهم، يظلُّ هذا الشَّعب الفلسطينيّ عصيًّا على الانكسار، جذوره ضاربة في هذه الأرض المباركة، متشبثًا بحكايات أجداده ورايات عزَّتِهِ، لم يستطع جبروتُ آلة القتل أن يطفئَ جذوة الرُّوحِ، ولم يخفت صوت الحق الصَّارخ في وجه هذا الصَّمت العالميّ الآثم؛ فمن تحت أنقاضِ كل بيتٍ مُهدَّم، تنبتُ براعمُ صمودٍ جديدة، ومن بين دموع كل طفل مكلوم، تولَدُ إرادةٌ فولاذية لا تلين. إنّها حقيقة أزلية، للعالم الأصم، أن الشّعوب التي ارتوت أرضها بدماء شهدائها، والتي تحمل في قلبها لهيب قضيتها العادلة، هي وحدها من تكتب نهاية الحكاية، مهما طال ليل الظُّلم وتجبّر الطُّغاة.
 

currency أسعار العملات
29 أبريل 2025
العملة
سعر الشراء
سعر البيع
الأخبار الرئيسية
لليوم الثاني:
لليوم الثاني: "العدل الدولية" تعقد جلساتها لمساءلة "إسرائيل" بشأن التزاماتها تجاه المنظمات الأممية في فلسطين
29أبريل، 2025
اقرأ المزيد
الاحتلال يعتقل 22 مواطناً على الأقل من الضّفة
الاحتلال يعتقل 22 مواطناً على الأقل من الضّفة
29أبريل، 2025
اقرأ المزيد
الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها لليوم الـ93 على التوالي
الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها لليوم الـ93 على التوالي
29أبريل، 2025
اقرأ المزيد
الأكثر مشاهدة
"الأوقاف" تدين رفع علم دولة الاحتلال فوق الحرم الإبراهيمي وتصفه بالاعتداء الخطير
29أبريل، 2025
اقرأ المزيد
قوات الاحتلال تغلق المدخل الرئيس لجورة الشمعة جنوب بيت لحم
قوات الاحتلال تغلق المدخل الرئيس لجورة الشمعة جنوب بيت لحم
29أبريل، 2025
اقرأ المزيد
"الخارجية" تعرب عن تضامنها مع إسبانيا والبرتغال وفرنسا في مواجهة أزمة انقطاع الكهرباء
29أبريل، 2025
اقرأ المزيد