منذ اللحظة الأولى لاختطاف المناضل د. مروان البرغوثي في الخامس عشر من نيسان عام 2002، بعد فشل أكثر من ثماني محاولات اغتيال حسب ما أكّدت المصادر الاستعمارية الإسرائيلية، بادرت المحامية فدوى البرغوثي وعدد من أصدقاء وزملاء ورفاق وأحباء د. مروان إلى تأسيس الحملة الشعبية التي اعتمدت على التطوع، وما زالت، وعلى جهود ذاتية، وانطلقت بتنظيم نشاطات محلية فلسطينية وعربية ودولية. وطوال 22 عام لم تتوقف هذه الحملة رغم انعدام الإمكانيات وبرود المستوى الرسمي وقصور زملائه ورفاقه في قيادة حركة فتح وتجاهلهم لدوره ورمزيته الوطنية لفترة طويلة. وواصلت المحامية البرغوثي نشاطها واجتمعت مع عشرات الرؤساء والقادة ووزراء الخارجية العرب والأجانب ورؤساء البرلمانات والأحزاب، وشاركت في مئات المؤتمرات والندوات ووسائل الإعلام في أرجاء العالم. وكانت وما زالت الصوت الأكثر تعبيرًا عن إرادة وصوت ومواقف القائد الوطني مروان البرغوثي وقضية الأسرى، وتمكّنت من إبقاء حضوره رغم تعرّضه للعزل الانفرادي والجماعي طوال الـ 22 عامًا التي مضت؛ فكان وما زال الأكثر حضورًا في قلوب الفلسطينيين والكثير من العرب والأحرار في العالم رغم قسوة وشدّة ووحشية الغياب.

وقبل عشرة سنوات تطورت الحملة الشعبية والعربية لتأخذ بعدًا دوليًا حينما بادر عدد من القادة في جنوب افريقيا من رفاق مانديلا بإطلاق حملة دولية انطلقت من زنزانة مانديلا في روبن آيلاند بقيادة رفيقه في العزل الانفرادي المناضل أحمد كاثرادا، وبحضور ومشاركة العشرات من وزراء وبرلمانيين وشخصيات دولية، وشارك المئات من الشخصيات في العالم في التوقيع على إعلان روبن آيلاند، وشملت الحملة الدولية مبادرة عشرات المدن في العالم لمنح المناضل د. مروان البرغوثي مواطنة شرف منها ثلاثون مدينة في فرنسا كانت قد منحت مانديلا في العقود الماضية نفس المواطنة، ثم بعض المدن في إيطاليا وتركيا وغيرها من المدن، وذلك تعبيرًا عن التضامن مع نضال وكفاح الشعب الفلسطيني الذي بات أبو القسّام رمزًا لحريته وكرامته واستقلاله الوطني.

إن النشاط المكثّف الذي تقوم به المناضلة المحامية فدوى البرغوثي يُقدّم نموذجًا فريدًا والأول من نوعه فلسطينيًا وعربيًا في هذا الإطار، ويُجسّد نضال المرأة ويُعبّر عن قدرتها وشجاعتها، حيث تمكّنت من القيام بهذا الدور الكبير بالرغم من مسؤولية الأسرة والأولاد الذين كانوا أطفالاً وتلاميذ في المدارس حين اعتُقل والدهم، هذا إلى جانب دورها السياسي والتنظيمي والنسوي وعملها المهني كمحامية. وكان من واجب الرئيس وقيادة حركة فتح والسلطة والحكومة القيام بهذه المهمة، لأن مهمة تحرير المناضل مروان البرغوثي وكافة المناضلين والمناضلات في السجون الاستعمارية ليست مهمة أسرهم وعائلاتهم وذويهم؛ بل هي مهمّة الشعب الفلسطيني وفصائله وقيادته.

في الأسابيع الأخيرة، شهدت الحملة التي تقودها المحامية البرغوثي زخمًا كبيرًا حيث زيارة موسكو والقاهرة وعمّان، والتقت بوزراء الخارجية والمسؤولين، وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية والعديد من المسؤولين، وصدرت بيانات رسمية أكّدت على مكانة القائد الوطني مروان البرغوثي وعلى دعم ومساندة الحملة الدولية لحريته وكافة الأسرى، مما يعكس اعترافًا ووعيًا إقليميًا وعربيًا ودوليًا بالدور التاريخي الذي يلعبه المناضل أبو القسّام، والدور الذي يُمكن أن يلعبه في المستقبل، خاصّة في ظلّ حالة الترهّل والضعف والانقسام والشيخوخة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني وحالة الشلل الاستراتيجي. وكان لافتًا استقبال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني الدكتور أيمن الصفدي الذي أكّد على مكانة الزعيم الوطني برغوثي ودوره المحوري في الساحة الفلسطينية وعبّر عن تضامن الأردن مع نضال وكفاح الشعب الفلسطيني، وسبق ذلك لقاءات مع وزير الخارجية المصري الأستاذ سامح شكري وعدد من المسؤولين الآخرين. وكانت المحامية البرغوثي قد سلّمت رسالتين منفصلتين لكل من جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي تناولت خطورة الوضع الفلسطيني والمأزق الذي تمرّ فيه القضية الفلسطينية، ومن المتوقّع أن تزور فرنسا الشهر المقبل وأن تقوم بسلسة من اللقاءات والنشاطات، يليها عدد من اللقاءات في بريطانيا وجنوب افريقيا وغيرها من البلدان العربية والأجنبية، وكانت البرغوثي قد التقت في الشهور الأخيرة بعدد من كبير من السفراء والقناصل والمسؤولين من بينهم المبعوث الأمريكي والمبعوث الأوروبي لعملية السلام، وما زالت تواصل لقاءاتها المكثّفة على كافة المستويات.

والحقيقة أن هناك اعتراف وإدراك متزايد فتحاويًا وفلسطينيًا وعربيًا ودوليًا بالدور التاريخي الذي يُمكن أن يلعبه المناضل مروان البرغوثي في استنهاض وتوحيد حركة فتح بمختلف تياراتها وتوجهاتها وقيادتها للفوز في أي انتخابات رئاسية وتشريعية قادمة، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي العام النزيهة والمحايدة على مدار أكثر من عشرين عامًا، وكذلك دوره المأمول في توحيد الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام وخاصة أنه مهندس وثيقة الأسرى للوفاق الوطني التي تحظى بإجماع فلسطيني وطني وسياسي وشعبي، ومن أطلق وجسّد مبدأ "شركاء في الدم، شركاء في القرار"، ومبدأ "الوحدة الوطنية قانون الانتصار" قولاً وفعلاً. وقد عبّرت تصريحات أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب في الذكرى الحادية والعشرون لاعتقال أبو القسّام قبل أسابيع قليلة عن هذا الإدراك والاعتراف بمكانة ودور المناضل البرغوثي عندما أكّد على أن "المدرسة المروانية هي الوريث الشرعي للمدرسة العرفاتية... وأن لا أحد يتقدّم على البرغوثي من رفاقه في اللجنة المركزية... وأنه أيقونة النضال الوطني الفلسطيني، وكان لافتًا استقبال الرئيس الفلسطيني للمحامية فدوى البرغوثي أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة. والحقيقة أن الوقت قد حان لأن يقود الرئيس واللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والحكومة والفصائل الفلسطينية حملة عربية ودولية شعبية ورسمية ودبلوماسية لإطلاق سراح القائد الوطني د. مروان البرغوثي، وأن يكون تحريره جزء لا يتجزّأ من الخطاب السياسي والإعلامي والدبلوماسي الفلسطيني في المؤتمرات والمحافل العربية والدولية، وهو الأمر الذي غاب على مدار 22 عامًا. وهنا علينا أن نسجّل اعتزازنا وتقديرنا للمناضلة والقيادية الفلسطينية المحامية فدوى البرغوثي على الدور العظيم والمتميّز الذي تقوم به لصالح النضال الوطني، وهي صوت وضمير الأسرى؛ بل صوت الفلسطينيين جميعًا، وهي أول من نجح في نقل قضية الأسرى من المستوى المحلي إلى المستويين العربي والدولي بجدارة، وهي عندما تدافع عن حرية المناضل مروان البرغوثي وكافة الأسرى والأسيرات إنما تدافع عن وجع وعذابات وآلام كل أسيرة وأسير، وأملنا كبير أن تُدرك أيضًا حركة حماس أن تحرير أبو القسّام في أي صفقة قادمة هو ما يأمله ويتوقعه منها الشعب الفلسطيني بأسره، ولن يتقبّل استثناءه مرة أخرى كما جرى في صفقة وفاء الأحرار "صفقة شاليط".