بقلم: احمد حفناوي

ثمانية عشر حكومة مرت على اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قيام الأخيرة. تعددت الادوار والمُعضلة واحدة، مع محاولات ثقيلة للتماشي مع الوضع السياسي المرافق لكل حكومة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي وبما يلبي تطلعات المجتمع الدولي والراعين لعملية السلام. و كان للإقتصاد و الإنقسام دوراً مهم في تشكيلة الحكومات التي تبعته. إلا أن واحداً من أهم القواسم المشتركة لهذه التشكيلات الحكومية إختيار القيادة السياسية لصفوة الرصيد الوطني الأكاديمي ليتولى حقائب وزارية هامه، مُعَوِلةً على الاحترام الذي يفرضه توجه كهذا. و بالأخذ بعين الاعتبار الإنجازات والإخفاقات لهذه الحكومات، و صداماتها مع النقابات والموظفين الذين كانوا منذ أجل ليس ببعيد طُلاب وزرائهم في الجامعات، يلوح بالأفق سؤال إن كانت الحكومات و القطاع الحكومي قد تحول من من منارة إلى محرقة للأكاديميين.

بلغ عدد الوزراء اللذين يحملون شهادة الدكتوراه في ثمانية عشر حكومة منذ إتفاقية أوسلو حوالي ٥٥،  دون تكرار فترات تكليفهم في أكثر من حكومه، و كان هنالك ٣ رؤساء وزاره يحملون شهادة الدكتوراه، و أتوا جميعاً من خلفيات أكاديمية رفيعة على المستوى الوطني. و في البعد الشعبي لهذا المستوى العلمي فإنه الحاصل عليه يفرض احتراماً و تقديراً، و يرسخ مفهوم إختيار صفوة المتعلمين لإدارة شؤون الوزارات والدوله، فليس هنالك أرفع درجة من ذلك.

وقد كان هذا التوجه في بعض الحكومات له مبرره الواضح. فعلى سبيل المثال كانت أغنى التشكيلات الحكومية بوزراء أكاديميين هي حكومة د. سلام فياض، والتي كانت أشبه بحكومة تكنوقراط مهمتها الأساسية تنفيذ التوجهات الدولية و الإلتزامات لمأسسة السلطة الوطنية الفلسطينية وإغنائها بالكفاءات تمهيداً لبناء الدوله. تبعتها حكومة د. رامي الحمد الله الذي إختار كوكبة من الأكاديميين ليتولوا قيادة الوزارات الأساسية في المجلس الوزاري، إضافة إلى وجود العديد من موظفي الوزارات من حملة درجة الكتوراة، و إن كانوا يصارعون على علاوات ترتقي لمستوى تحصيلهم العلمي. 

اما حكومة د. محمد إشتية فقد شملت ١١ دكتور من أصل ٢٦ وزير، وهي ثاني أكبر حكومة بعد حكومة ١٩٩٨-٢٠٠٢، منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية. و تفائل البعض، و غفر له البعض الآخر عدد الوزراء المهول وكثرة مصاريفهم، حيث كان الأمل كبير في حكومة ترفع من مستوى التنمية الاقتصادية التي أتت بعد أشهر قليلة من إطلاق د. محمد إشتية لكتابه فلسطين مفهوم تنموي جديد، والذي إشتمل على خطته الطموحه للاربع سنوات القادمه، واستعان بنخبة من الأكاديميين لمساندته في تطوير تلك الخطة و تطبيقها. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السُفُن. فهي حكومة جائحة كورونا وتبعاتها، وهي الحكومة التي عاصرت نظيرتها ونقيضتها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وعلى الصعيد الوطني هي أكثر الحكومات صداماً مع النقابات و بالذات نقابة المعلمين الذين كانوا بالأمس القريب طُلاب وزرائهم الأكاديميين.

وفي ظل ما يتم تداوله من تشكيل حكومة جديدة، وفي الوقت الذي تلوّح فيه نقابة المُعلمين بتأخير بدء العام الدراسي الجديد نظراً لتأخر  الحكومة عن تنفيذ إلتزاماتها تجاههم، يُعلق أمل على القيادة السياسية أن يتم تشكيل حكومة ترد الاعتبار للمعلمين الذين قضو صيفهم عُمالاً في الداخل، وللأكاديميين الذين فقد الشعب  الثقة بهم بمجرد أن تولوا وزارة ما، فقد كان شعار الميدان لأربعة أعوام "من علمني حرفًا كنت له نِداً"، ولم تعد الأولوية للرقابة على المال العام ونفقات مجالس الوزراء، بل أن لا يُسجّل في كُتب التاريخ أنه في عهد الحكومات الغنية  بالأكاديميين تعطلت العملية التعليمة وتخرجت أجيال من الطلاب بمستوى تعليمي متدني.