30-04-2024
broadcast
الأخبار
أحمد قريع: حضور الحضور - بقلم تحسين يقين
10أبريل، 2023 - 10:09ص

ابن 13 عاما في نكبة عام 1948، وإضافة 19 عاما، يكون عام 1967 قد بلغ 32 عاما، حيث شاهد وشهد بوعي تلك الهزيمة التي ما انفكت تلقي ظلالها على حياتنا الفلسطينية والعربية.
كانت "أبو ديس"، القرية المقدسية الشرقية، تتهيأ للصيف في ربيع عام 1948، حين وفد إليها اللاجئون القادمون من فلسطين المحتلة منذ بضعة أشهر، أو بضعة أسابيع، أو أيام، حيث أكرمهم "الديسة"، في بيوتهم، ما عمق المثل الشعبي السائد في برية القدس عن أهل البلدة: "صبوا العسل على الهيطلية"، وهي طعام يمزج فيه الطحين أو ...مع الحليب، ويؤكل ساخنا وباردا.
ترى ما الذي تأثّر به الطفل ابن 13 عاما وهو يستمع في محيطه لما يحدث هناك في غرب القدس وفي فلسطين؟ إذن تشكل فكره وتكونت مشاعره مبكرا تجاه وطنه، كباقي الأطفال، الذين كبروا في ظل صراع لا يرحم الطفولة. سيتابع أطفال القدس تعليمهم، على أمل استعادة الوطن السليب، لكن يطول ذلك 19 عاما، لنمنى بهزيمة أخرى، ليتساءل وهو يدخل الثلاثين من عمره: كيف اطمأن العرب في عيشهم وهم في ظل هذه الحالة؟ كيف شعروا بالأمان؟ أما كانوا يحذرون توسع الاحتلال؟
يبدو أن العرب لم يفكروا حتى في أسوأ كوابيسهم، أن الاحتلال سيمتد شرقا، لذلك فقد فاجأتهم نتائج الحرب.
صار طفل عام 1948 أبا عام 1967، حيث صار أبا للطفل علاء. وقبل ذلك بسنوات اغترب الشاب العشريني للعمل في المملكة العربية السعودية، مثله مثل كثيرين بفضل التعليم من جهة، وبفضل مهارات محاسبية امتلكها الشاب "الديسي".
دوما تساءلت عن الجذور السياسية لديه، خصوصا أنه كان قد تفوق في عمله المصرفي خارج وطنه، حيث لم تكد تنطلق حركة فتح حتى التحق بها، ولم تمض بضع سنوات حتى صار أبو علاء أحد أركانها في الجانب الاقتصادي، والذي لربما طغى على مجمل عمله الوطني حتى السنوات الأخيرة. وحين انطلقت عملية أوسلو، عاد لي تساؤلي حول دوره في واحدة من أهم مفاصل العمل الفلسطيني. كنت أجيب نفسي، بأن أبو عمار والقيادة السياسية، يعرفون جوانب شخصية هذا القائدة، رفيق دربهم. أما أكثر من أضاء على شخصية أبو العلاء فهو الكاتب الصحفي المرحوم حسن البطل، الذي كان يصفه ب "ثعلب السياسة الفلسطينية". سبقه الإسرائيلي المفاوض سابير في أوصاف أخرى. (سنجد هناك من يكتب عن صورة أبو العلاء في أذهان كثيرين).
ربما سيجد حتى رفاق أبو العلاء الآن صعوبة في الكتابة عنه، أكان ذلك في كتابة سيرهم الذاتية، أو كتبهم السياسية، ومردّ الصعوبة هو أننا ما زلنا نعيش الجدل السياسي، ليس على اتفاق أوسلو فقط، بل على منظومات القيادات الفلسطينية، من الصفوف الأول والثاني والثالث. ولذلك، فإن قوما آخرين سيأتون سيكونون أكثر تحررا من أية علاقات وارتباطات ومصالح، ليتحدثوا لا عن أبو العلاء فقط، بل عن كثيرين في قيادة المشهد السياسي الفلسطيني من البدايات حتى الآن وغدا.
1948، 1951، 1956، 1967، 1968، 1970، 1973، 1974، 1979، 1982، 1984، 1987، 1990، 1991، 1993، 1994، 1996، 2000، 2004، 2006.. ترى ما تفيدنا تلك السنوات؟
في حياة شعبنا، وقياداته الوطنية، ثمة سنوات معينة كانت بداية لتحولات، تتباعد وتقترب لتكون متتابعة، بسبب ما حدث من تسارع في التطورات، كحرب أكتوبر رمضان 1973، وتمثيل المنظمة لشعبنا عام 1974، وكاحتلال الكويت 1991 والحرب 1991، وربما فصلت بعامين، كما بين حرب الخليج واتفاقية أوسلو، لكن الملاحظ، أنه بالإضافة لأدوار أبو العلاء الاقتصادية في حركة فتح ومنظمة التحرير، إلا أنه سياسيا بدأ بشكل ملحوظ عام 1989، عندما أصبح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حيث كان في بداية الخمسينيات من العمر، وهو بما امتلك من خبرات وأدوار متنوعة، فقد برز كقائد مؤثر، بما كان يثق به أبو عمار ورفاقه، فكان من المفاوضين الرئيسيين وصولا لاتفاق أوسلو عام 1993، حيث يصير هذا العام بداية لتأسيس السلطة الوطنية، والتي يصير فيها وزيرا للاقتصاد فرئيسا للمجلس التشريعي، فرئيس وزراء، إضافة لمناصب أخرى سابقة أو جديدة لها علاقة بتأسيس السلطة. ومع نتائج انتخابات عام 2006، بعد عامين على رحيل أبو عمار، يترك أبو العلاء العمل الحكومي وهو في عمر 69 عاما، لكنه لا يعود إليه بعد عام، إثر ما حدث من انقلاب حماس في غزة، وهكذا يصبح هذا العام فارقا في تاريخ هذا القائد.
من عام 1989، حتى عام 2006، 17 عاما من العمل الديناميكي، وإن جعلنا 1993 سنة أساس، فسنكون إزاء 13 عاما، كان فيها نجما سياسيا وأحد صناع القرار في فلسطين الرئيسيين.
لم يكن اتفاق أوسلو نتيجة جهد أفراد، بقدر ما هو قرار قيادة كان على رأسها القائد العام المؤسس، وبالطبع نحن لسنا في مجال تقييم كل ذلك، بقدر التأكيد على التذكير بسياق العملية السياسية، التي أصلا لها جذور قبل مدريد وأوسلو، تصل الى ما قبل هزيمة عام 1967.
ما هو مهم بنظري، أن إسرائيل الموقعة على اتفاقية أوسلو، لم تكن موحدة، (بل وكما ذكر سابير يوما، بأن إسرائيل كانت تفاوض نفسها في أوسلو، بسبب موضوعي هو اختلاف الموقف الإسرائيلي).. أقول إن إسرائيل، (من باب مجاز ذكر الكل وإرادة الجزء الأقوى)، بدأت بوضع العراقيل، (ربما منحتها تفجيرات الباصات مبررا كانت تحتاجه، وصولا لقتل رابين، الذي كان يعني في العمق قتل أوسلو، وما تلا ذلك من صعود اليمين بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
لذلك، وليس دفاعا لا عن الاتفاق ولا عن صناعه وهم كثر، فإنه لو تم تنفيذ الاتفاق بدقة، لكان الحال غير هذا. وأظن الآن، هناك أهمية لتقييم الجانب الاقتصادي أكان في الاتفاقية وملحقها، لأنه كان له الأثر العميق على بنية المجتمع الفلسطيني وتحولاته، والتي يعدّ مثلا إضراب المعلمين، تتويجا لها.
يمكن تلخيص حياة القائد الفلسطيني من مناضل داخل حركة تحرر، إلى مناضل مشتبك في المفاوضات، إلى سياسي حكومي في ظل سلطة وطنية تنشأ على أرض الوطن، وهو خلال ذلك كان متفاوت البروز، لكنه ظل ملتزما بالقرار الوطني والشرعية، بل والعمل التنظيمي داخل حركة فتح نفسها مفوضا للتعبئة والتنظيم، وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة- دائرة القدس المستحدثة، فرئيس المجلس الاستشاري للحركة.
ليس من السهل الحديث ولا التفسير، بما لا نملكه من مطابخ العمل السياسي الفلسطيني والعربي والدولي، لكن يبدو أنه دوما، في ظل تحولات الحكم، تتآلف عوامل ذاتية وموضوعية، لتقرير مصير شخصيات قيادية، تتفهم الأوضاع الجديدة، من نفوذ وتأثير آخرين.
لقد امتلك أبو العلاء العقلانية والنبل في التعامل الوطني مع كل ما جدّ، فظل لسانه وطنيا، لم يسع الى أي تصريح يعكّر صفو الحياة السياسية الفلسطينية، حيث آثر أن يكمل مسيرة شهادته على ما عاشه، مؤثرا التوثيق أكثر من الرأي.
لعل كتبه التي تركها وراءه تذكرنا بهذا القائد بما امتلكه من وعي، وتحمل، فأنى كان الجدل السياسي والاختلاف في التقييم، فثمة احترام له ولدوره وما اجتهد به:
كتابه الأول أوسلو (1) الرواية الفلسطينية الكاملة1993، والثاني أوسلو (2) 1995-2000، والثالث "من خريطة الطريق إلى أنابوليس"، وكتاب "المفاوضات متعددة الأطراف"، و"الديمقراطية والتجربة البرلمانية الفلسطينية"، و"التجربة الحكومية في ظل النظام السياسي الفلسطيني"، و"صامد، التجربة الإنتاجية للثورة الفلسطينية"، و"اقتصاد المقاومة والهوية الوطنية الاقتصادية"، وسلسلة كتب "السلام المعلق" الذي صدر منه حتى الآن ثلاثة أجزاء، إضافة لعشرات الأعداد من مجلة صامد الاقتصادي التي كان محررها الرئيس.
غياب الحضور وحضور الغياب، لعل الأهم الآن هو حضور الحضور.
رحم الله أبو العلاء.

currency أسعار العملات
30 أبريل 2024
العملة
سعر الشراء
سعر البيع
الأخبار الرئيسية
ضغوط غربية على الجنائية الدولية لثنيها عن إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين
ضغوط غربية على الجنائية الدولية لثنيها عن إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين
29أبريل، 2024
اقرأ المزيد
الرياض: اجتماع وزاري عربي مع بلينكن يبحث وقف إطلاق النار بغزة... وبن سلمان يلتقي عبّاس
الرياض: اجتماع وزاري عربي مع بلينكن يبحث وقف إطلاق النار بغزة... وبن سلمان يلتقي عبّاس
29أبريل، 2024
اقرأ المزيد
وزير الخارجية البريطاني: العرض المقدّم لحماس يتضمن هدنة لأربعين يومًا وتحرير آلاف الأسرى
وزير الخارجية البريطاني: العرض المقدّم لحماس يتضمن هدنة لأربعين يومًا وتحرير آلاف الأسرى
29أبريل، 2024
اقرأ المزيد
الأكثر مشاهدة
الآلاف يتظاهرون في
الآلاف يتظاهرون في "تل أبيب": أهالي أسيرين في غزة يحثون حكومة نتنياهو على إبرام صفقة تبادل فورا
29أبريل، 2024
اقرأ المزيد
واشنطن: خمس وحدات إسرائيلية مسؤولة عن انتهاكات حقوقية جسيمة ونواصل الحوار مع تل أبيب
واشنطن: خمس وحدات إسرائيلية مسؤولة عن انتهاكات حقوقية جسيمة ونواصل الحوار مع تل أبيب
29أبريل، 2024
اقرأ المزيد
الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط
الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط
29أبريل، 2024
اقرأ المزيد