بقلم: احمد حفناوي
كان لي في احدى السنين شرف تتبع المصور التلحمي الياس حلبي خلال التقاطه الصورة السنوية لحفل إنارة شجرة عيد الميلاد في ساحة المهد، الحفل الذي يمثل الإعلان الرسمي عن بدء موسم الاحتفالات بأعياد الميلاد في فلسطين مهد السيد المسيح. ولطالما عبر لي العديد من الاصدقاء عن انتظارهم في كل عام رؤية الصورة التي يلتقطها المصور التلحمي.
وهي ليس مجرد صوره بتقنيات ومهاره عالية ومؤثرات بصريه. فهو بحسب معرفتي لا يجيد إستعمال أي من برامج تعديل الصور. هو يتعامل معها كمشروع بحد ذاته، ويأخذ منه قرابة الشهر لإختيار المكان المناسب لالتقاطها.وبذلك تشكل درساً في جغرافيا بيت لحم، ويتولد بشكل تلقائي لدى العديد سؤال "من وين مآخذها"، وكيف لا وهو أكثر من صور بيت لحم، وأكثر من استعملت وزارة السياحة الفلسطينية صوره في موادها الإعلامية والترويجية.
الناظر لصورة إلياس هذا العام يدرك الشمولية التي تميز هذه الصورة، ورصدها لكل مكونات بيت لحم الروحية والعمرانية والاجتماعية معاً، وتجسدالرسالة التي يحرص كل من يحضر الحفل لنقلها من بقعة هي من بين الأقدس في عالمنا هذا.
فترى بها أنه يستعمل نور الألعاب النارية التي تصاحب الإنارة ومن ذلك المكان تحديدا من قلب كنيسة المهد، كوسيلة تذكير بالنور الذي ملئ سماء بيت لحم والعالم أجمع قبل ٢٠٢١ عاما بولادة السيد المسيح، وترى سماء بيت لحم مضاء بالكامل في وسط العتمة التي تغمر العالم.
وترى بها جرسيات كافة كنائس الطوائف التي احاطت مغارة الميلاد، حتى تلك التي شيدها الأقباط في العام المنصرم، غير مستثنيا منهم أحد، في توثيق للتغيرات التي تحدث من عام لأخر للأفق المعماري في بيت لحم.
وترى بها كذلك تجسيدا للنسيج الإجتماعي لبيت لحم خاصة وفلسطين كافة، فهو لا يركز على اظهار الكنائس وشجرة الميلاد فحسب، بل يتعمد ان يشمل مئذنة مسجد عمر المقابل لكنيسة المهد، مكان عبادة التلحميين المسلمين، في تجسيد لروح إعلان البدء باحتفالات ميلاد "عيسى" عليه السلام على لسان د. محمد إشتيه رئيس وزراء فلسطين.
ولم يفته أيضاَ أن يشمل مئات الصحفيين والمراسلين الذين اعتلوا أسطح المباني المجاورة لكنيسة المهد لينقلوا للعالم أجمع الحدث الأهم، وكأنهم تلاميذ المسيح الذين انتشروا في كافة أصقاع الأرض لينشروا رسالة الحب والسلام.
وهي درس في جغرافيا بيت لحم وتراثها التي تعتبر أكثر مدينة على مستوى فلسطين تمت المحافظة على بلدتها القديمة. ويتبادر لذهن العديد بشكل لا شعوري سؤال من أي حارة وأي بيت أو جرسية اعتلى ليلتقط صورته، وهو بالتأكيد يحرص على أن ينتقي مكان جديداً في كل عام. وإلى أن تعرف الموقع بالتحديد تكون قد مررت على تاريخ تلك الحارة وأسماء عائلاتها وقاطنيها.
خلاصة الحديث، إن هذه المشروع السنوي للمصور التلحمي لهو أكبر دليل على مقولة إن الفنان ابن بيئته، وإن صورة قد تكون بألف كلمه.