بقلم: زينة أبو سعدى
بيت لحم 2000 - كنت في الثانية عشرة من عمري، ورغم صغر سّني، إلاّ أنني كنت مُلمَّة بأخبار السياسة ومدركة لما يدور حولي، فالناسُ جميعاً آنذاك ومنهم أهلي وأقاربي كانوا يتحدثون في كل شيء، إلا في السياسة، ومنذ أن بدأت "انتفاضة الحجارة" في التاسع من كانون الأول، وكلُّ ما حولنا أصبح "سياسة".
ما زلت أتذكر أصوات مكبرّات الصّوت تجول في أزقةُ بلدتي بيت ساحور معلنةً منع التجوال، وذلك بسبب عصيان أهل المدينة عن دفع الضرائب للاحتلال الإسرائيلي الذي يُعّدُّ غير شرعياً ولا يقدّم للأهالي أية خدمات؛ فلماذا ندفع له الضريبة؟.
كنّا جالسين مع الأسرة نتحدّث عمّا سيحدث في هذه البلدة الصّغيرة بعد أن قام سكانها برمي الهويات الإسرائيلية معلنين العصيان المدني وكلنا يعلم أهمية الهوية لأيّ فرد كان، فبدونها يعتبر شخصاً مجهولاً لا وجود له؛ ولكنها هويةٌ من الاحتلال الصهيوني الذي سرق أرضنا وفرض بطشه وسيطرته علينا، ونحن شعبٌ أعزل لا يملك سوى إرادته ونضاله السلمى صموده في أرضه.
أثناء احتسائنا للشاي اقتحم حشدٌ من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح بيتنا، بدأ أشقائي الصّغار يصرخون، ولا أنسى مشهد أمي وهي تفتح ذراعها أمامهم مانعة إياهم الدخول ، ولكنهم اقتحموا المنزل عنوّة وأردوها على الأرض تعاني الرضوض، وعندما سألهم ماذا تريدون؟ أجابهم الضابط الاسرائيلي: " لأنكم لا تريدون دفع الضرائب سنأخذ من البيت ما هو بقيمة المبلغ المستحق عليكم وبدأوا بتحميل أجهزة البيت كالتلفاز والثلاجة بطريقة همجية تخلو من أي رحمة، صرخت والدتي بوجههم خذوا ما شئتم لا نأبه بهذه الأجهزة ولن ندفع لكم الضرائب فأنتم حتماً زائلون.
لقد سطّرت مدينتي بيت ساحور نموذجاً عظيماً في النضال السلمي وكان أبرزه العصيان المدني. مما جعل العالم يتحدث عن هذا الحدث الكبير وتمَّ تداول هذا الحدث في الكونغرس الأمريكي، وظلت مدينة بيت ساحور مصممةً على عدم دفع الضرائب. معلنة انتصارها على هذا العدوّ الغاشم.
* طالبة من جامعة بيت لحم