بقلم: حمدي فراج
ما زالت فلسطين الرسمية والفصائلية ، واقعة في أثر الصدمة، صدمة الامارات والبحرين ، تحاول ان تخرج ، لكنها لا تعرف من اين الى اين ، تحاول ان تتجاهل ، فلا ينفع التجاهل ، تحاول التلهي بالكورونا او انتخابات اتحاد كرة القدم ، أو أرملة الرئيس الاسبق او محمد دحلان او اي شيء آخر ، لكنها سرعان ما تجد نفسها في الشرنقة ، تحاول ان تفتح سرادق عزاء ثلاثة ايام ، فلا ينفع ثلاثين ، تحاول ان تكابر بتقليل شأن التطبيع من انهما دولتان صغيرتان ، تحاول ان تجيّر وتقايض من انها ليست المستهدفة، بل ايران.
تنقلها الصدمة ، الى حالة خوف فوبيائي ، من ان تذهب دولة ثالثة ورابعة وسادسة كما صرح ترامب ، وهذه المرة دولة وازنة ، من العيار الثقيل ، سكانيا وماليا وسياسيا ودينيا وعسكريا ، حتى وصل بأمين "الجهاد" ان يبدي تخوفه ويعرب عن أمله بأن لا يرى شيئا من هذا القبيل يحصل ، فتكون الصدمة اكبر والخسارة افدح.
طريق الخروج من الازمة واضحة وسهلة وسالكة ، بأن نعترف اولا بخطل مراهنتنا على مثل هذه الانظمة سبعين سنة ، خلالها شرّعنا ما هو محرّم في مسيرات الثورات التي شقت طريقها وانتصرت ، بدءا من مبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية" ، فكيف يمكن بعدها ان يكون لنا موطيء قدم لدى شعوبها ، ونحن نحترم ونبجل ونهلل ونكبر لأنظمتها . كيف يمكن قبول مبدأ ان تدفع لي بعض الاموال عوضا عن مشاركتك في القتال ضد العدو الذي احتل ارضي مقدمة لاحتلال ارضك . كان هذا سقف الثورة العالي الذي تطلبه من هذه الانظمة ، وفي البداية ، كانت جميع الانظمة ملتزمة بذلك ، ووصل الامر ببعضها ان تقبل بحسم نسبة معينة من دخولات الفلسطينيين المقيمين هناك لصالح الثورة ، ومع "تطور" الامور نحو الحضيض ، أخذت هذه الانظمة تتلكأ وتتحجج وتتبجح وتتمنع ، حتى وصلنا أخيرا ان تتوقف جميعها عن الايفاء بالتزاماتها ما عدى دولة واحدة هي الجزائر وفق تصريح منسوب لجبريل الرجوب .
جامعة الدول العربية ، التي قال عنها محمد شتية انها "مفرّقة" ، هي كذلك منذ ان اقدمت على استدعاء الغرب قصف ليبيا وطرد سوريا من عضويتها ، لكنها ازاء اسرائيل قدمت مبادرة سلام ، وإزاء القدس وضمها لاسرائيل ، صدّرت بيان ، بل أظن ان تأسيسها عام 1946 كان تمهيدا للتعاطي الملائم مع قيام الدولة الغريبة في المنطقة ، اسرائيل على حساب فلسطين ، كانت يومها الجامعة من خمسة دول مملكات : مملكة مصر والاردن والسعودية والمغرب والعراق .
وعلى عكس "الانتصار" الذي بشّر به وأحرزه رياض المالكي في اجتماعها الأخير ، كان قد آن اوان الانسحاب منها .
ففلسطين القضية العادلة ونضالها الدؤوب وشعبها المعذب ، تنتمي اليها كل شعوب الارض قاطبة ، وقواها الحية والانظمة التقدمية والديمقراطية والتحررية التي سارت من قبل على نفس دربها.