بقلم: حمدي فراج
برحيله بعد فتحي الشقاقي على يد الموساد في مالطا قبل ربع قرن، يكون رمضان عبد الله شلح قد فتح صفحة تعليمية جديدة ناصعة البياض في تاريخ النضال الفلسطيني الحديث، نضال عقائدي لا يعرف التهادن ولا التفاوض ولا التساوم ولا التقايض ، في زمن عج بهذه المصطلحات واصبحت لسان حال الحقبة والمرحلة عربا وفلسطينيين ، رجعيين وتقدميين ، مسلمين ومسيحيين ، الا حركة الجهاد الاسلامي التي نأى بها شلح عن كل هذه المفردات وعن القاموس الذي يشتملها وعن اي مائدة يجلس على طرفها الآخر "الطرف الآخر" .
رفض الاشتراك في اي من الاجسام التي لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بما أفرزته اتفاقية اوسلو ، حتى لو حملت اسما "وطنيا" ، رفض المشاركة في حكومة فتح او حكومة حماس ، رفض الاشتراك في اي انتخابات "حرة" مزعومة ، بما في ذلك انتخابات البلديات ، لأن شرعية الجهاد ضد المحتلين لا تحتاج شرعية من اي جهة كانت الا شرعية اصحابها ، الأمر الذي وقعت فيه فصائل عقائدية وازنة لها تاريخها الطويل ، وفصائل دينية غالطت نفسها و شرعتها بتبريرات لم تصمد طويلا .
لم تكن هذه فقط مآثر حركة الجهاد الاسلامي، التي سجلت عبر تاريخها القصير – نسبيا – عمليات نوعية ضد الاهداف العسكرية الاحتلالية ، ولكن مأثرتها الاساسية تمثلت في ابراز الوجه الآخر للاسلام ، مقارنة بإسلام النظام العربي الذي دشن الرئيس المؤمن انور السادات اول اتفاقية صلح مع الكيان يستمر اثرها التدميري على مصر والعالم العربي حتى ساعة رحيل شلح ، وحملة من التهافت على اقامة علاقات معه آخرها اللقاء الذي جمع نتنياهو مع رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان . و مقارنة بالحركات التي انتشرت مؤخرا على رأسها النصرة التابعة للقاعدة ، وداعش التي اعلنت عن خليفتها في العراق والشام فعاثت تقتيلا وتدميرا وتقسيما في الوطن العربي كله ، دون ان تطلق رصاصة واحدة على عدو الامة ، بل ان بعض الحركات الرديفة رفدته بالبنات "نكاح الجهاد" و"المتطوعين" من فلسطين المحتلة .
ترفض حركة الجهاد الاسلامي تكفير الآخرين ، وتقيم علاقات ناضجة مع المختلفين معها ، وتعتبر ان الدين لله ، وان اولوية مقاومة الاحتلال وتحرير الارض من براثنه تفوق اي اولوية ، ويحفظ الكثير من رموزهم القيادية داخل الاسر علاقات ايديولوجية تقوم على الاحترام المتبادل مع الفصائل الاخرى بمن في ذلك الجبهتين الشعبية والديمقراطية ، في حين وصل الامر ببعض الفصائل حظر قراءة الكتب الشيوعية على اعضائها وغير اعضائها .
رحل هذا القائد الفذ الذي جمع بين ناصيتي الفكر والكفاح ، ما لم يجمعه الكثيرون من قياداتنا الفلسطينية والعربية ، وبعضهم بدون هذا ولا ذاك ، كأنه رجل من طراز قديم ، رجل مباديء في زمن المصالح ، جدير بجسده الطاهر ان يوارى ثرى دمشق ويسكن في قلوب الناس .