15-06-2023
broadcast
الأخبار
ألمٌ صامت يعلنهُ انتحارٌ صارخ
04ديسمبر، 2019 - 12:21م

بقلم: دينا علي أبو ديّة

إنَّ الأَمرَ أشبهُ بانعدامِ وجودِ من يُربِت على الأكتافِ ويقوِمها حينَ ميولها ؛لِتقعَ وحدَها في حُفرةٍ تُنهي عُمرَ الصِّبا وتَقطَعُ على ضحيتها سنينَ حياةٍ قد تكونُ هي الأجملَ ،وما تُخبئهُ في حُقبتها مِن بعد تَعاسِة الحظ وتعثرِه بَهجةً وانفراجاً، مَا هو الصُّوت القادرُ على تَمزيقِ فؤادِ شابٍ بتكتمٍ عن سَمع من هم حوَلَهُ؟ وَلماذا لا يُسمع صَداها على الرُّغم من أن انعكاسات الهمِّ منقوشةٌ على ملامِح الشابِّ صاحِب الابتسامةِ الحزينة؟ كَيفَ للزمن والظروفِ بل حتى الناس تَحويلُ طريق الآمالِ والطموحِ المفتوحِ إلى بابٍ مُغلقٍ يَقتُلُ الأمل ويطفئ الروح؛ ليقررَ أخيراً انهاء هذا الطريقِ بالحدِّ من استمراره في هذه الحياة؟

ازدادت حالات الانتحارِ بِشكلٍ مُريبٍ بين الشباب العربيِّ  الواعد! وتغلغلت هذه الظاهرةُ داخل صفوفهم وكأنَّها وباءٌ من أسبابِهِ ما يُلاقيهِ شبابُنا من هَمِّ يَكبُرُهم أو حُزنٍ  ينهشهم، وضغوطاتٍ عائليةٍ كانت أو دراسية أو مهنيةٍ لا تُراعي أحوالَهم أو قدراتهم. قد أشارت الإحصائيات إلى أن أكثر من 78% ممن يقدمون على الانتحار في العالم العربي، تنحصر أعمارهم ما بين 17 و40 عاما، وأن أكثر من 69 % من أعداد المنتحرين كانت لديهم ضغوطات اقتصادية قاسية. ومن بعد تِلكَ الاحصائيات المُفاجئةِ للأعمارِ الراحلة، كان يَجبُ الوقوف عندَ هذه النُّقطةِ كثيراً لإيقاظِ أنفسنا من الهاويةِ التي نَسيرُ إليها.

"الكلمة نور وبعض الكلمات قبور"، جملة جاءت في مَسرحيةِ "الحسين ثائراً" لمؤلفها المصري " الشرقاوي" أجازَت قُوةَ وَقعِ الكَلمةِ في نُفوسنا وكيف لها أن تعلو بنا إلى السَّماءِ أو تسقطنا إلى القاعِ بَهدمِنا وتَحطيمِ شخصيتنا. يَبدأُ الأمرُ حين يتفتَّحُ الشَّابُ في أول حياتِه،وَيجِدُ نَفسه مائلاً إلى اتجاهات واختياراتٍ يُريدها أو إلى فتاةٍ أَحبها وآلفها،وفي هَذا الوقتِ الذي يَتوجَبُ عَليهِ تنمية نَفسهِ وتَحقيقِ ما يَرغَب به حتى ينال رضى نَفسهِ وإشباعِ غايته السَّامية ،يجدُ تلك العقباتِ الاجتماعيةِ بمثابةِ العَدو الذي يأبى إلا أَن يقف ضِدَهُ ولو كانَ على غير قَصدٍ أو تَركيزٍ ؛ فعندما يكون الجَهلُ سائداً  في عائلتهِ التي ترى نَفسها مَسؤولةً عن تَحديد مصيره و "مصلحتهِ التي يجهلها كما يَدَّعون غالباً" لا بُدَّ من قيامها بإلغاءِ كُلِّ شَخصهِ ورسمِهِ كيفما أرادوا وأحبّوا، دون الاكتراثِ بأنَّهم قد سَلبوا أثمنَ ما قد يملك الإنسان ألا وهي الحُريَّةُ والتَّفرُّد عن الغير بأفكارِهِ؛حِينها يَشعُرُ بأنَّ شيئاً ما منه قد اقتُطع، وأنَّهُ قد تَحوَّل لآلةٍ بيدِ غَيره يستعبدها دون رضاها النفسي على ما تقوم بِه.

وقد يقررون عنه  مثلاً دراسته الثانويةِ ،وبأيِّ اتجاهٍ يسير "علمي ،أدبي،تجاري،أو صناعي "  بما يُناسِبُ مُجتمعه وصورتهم أمامه فتكون هذه هي الخطوةُ الأولى له في المسارِ الذي يَكره، ويتوسَعُ الأمرُ إلى ضغوطٍ أُخرى تتَمثلُ في عدم إيجادهِ لِمن يسمَعهُ أو يخبرَهُ عما في قَلبهِ من مشاكِل عدةٍ يواجهها نفسيةً كانت أو اجتماعيةً؛ فللأسفِ، أصبح مجتمعنا العربيّ يعاني من ضُعفِ العلاقات الرُّوحية التي تربط الأفراد ببعضها وتجعلهم يشعرون بمآسي غيرهم بل تعدى الأَمرُ إلى أن يكونَ المُتأثرُ أحدَ أبناءِ الأُسرةِ ولكن بسبب الضغوط المالية والوقت الضَّيق لدى الأُمِّ والأبّ بالاهتمامِ في أمورِ أبنائهم الشخصية،جعلهم ذلك يتغافلون عن مسؤوليتهم في توجيههم لحلِّ قضاياهم أو حتى سماعِ مشاكلهم.

ولابُدَّ من أن التطور التكنولوجي الهائل الذي وصلنا إليهِ وتفشيه في أيامنا هذه هو المسبب الرئيسي لَخلقِ تلك الفجوةِ الكبيرةِ بين أفراد العائلة الواحدة ؛لأنَّ أغلب المراهقينَ يَجدون أنفسهم داخل هذه التطبيقات التي يقفون خلف شاشاتها ؛فيعبرون عمّا يعتريهم بأسماءٍ وحساباتٍ وهمية دون خجلٍ أو خوفٍ من الانتقاص والنقد الجارح لهم؛لِتُصبح الملجأ الوحيدَ الذي يتقبلهم كما هم، خلافاً عن الجو العائلي المتوتر الذي قد يَكون ضيقاً لاتِّساعِ همومهم ومشاكلهم وتقبل أفكارهم وبذلك، يُصبحُ المدمِن لهذه الوسائل غارقاً في العيش في عالمٍ افتراضيٍّ لا يمتُّ لواقعهِ بصلةٍ ؛ليخرج يوماً إلى واقعه الحقيقي الذي يَصدِمهُ بعدم وجود المثاليةِ التي كانت تُحيطهُ افتراضياً سواءً من ناحيةِ شخصيتهِ الاجتماعية التي يفتقدها في واقعهِ داخل دوامة الوحدة والبعد الاجتماعي بسبب إدمانِه هذه الوسائل ،أو عدم وجود أشخاصٍ حقيقيين يلمسون حُزنَهُ ويشاركونه حسيّاً في حياته،أو حتى من ناحيةِ رَفضِ العيشِ في بيئةٍ يَرفضُ أفكارها ومعتقداتها ويراها مخالفةً لِعقليتهِ التي تكونُ متأثرةً بالأصلِ فيما يُشاهِدهُ عن حريات وبيئات مجتمعاتٍ غربيةٍ قد تَكون مرسومةً بشكلٍ ماكرٍ للقضاءِ على قيم الشباب وسلبها منهم.

وكل هذه البواعثِ تجلبُ الاكتئابَ نتيجةَ عدم الرضى الداخليّ للشاب،ومن هذه النقطة يجبُّ جذب انتباهِ العائلة وإدراك أهمية الاحتواء بين أفرادها لبعضهم البَعض؛فإن فُقدَ الاحتواء وشعور الأمانِ فيها ،يبدأُ الصِّراعُ النفسي بالتوالد والتوسع والذي يُعتبرُ من أهمِّ مؤشراتِ الانتحارِ وأسبابِه الرئيسية.

سيبقى الحالُ على ما هو عليه، بل قد يزدادُ سوءاً بسبب بعض الثقافات الاجتماعية التي تحاصرنا وتتملكنا ؛فمازالت فِكرةُ "الطبيب النفسي" مُشكلةً عند أغلب الناسِ، ولم تستطع احصائيات الانتحارِ التي تزيدُ في كُلِّ عام على تغيير هَذهِ النَّظرةِ الجاهلة،و بالرُّغم من أهميتهِ ودوره الفعال إلا أن من يذهب إليهِ سَيعدُّ مجنوناً في مجتمعنا لا مَحال مما يؤثر على قُبولِ من يعانون من الاكتئاب ورفضهم الفكرةَ بحدِّ ذاتها؛ فلا يُعلن المكتئبُ عن اكتئابهِ الا بالانتحارِ المفاجئ على من هُم حوله ،أو قد يبقى هذا الاكتئابُ وحشاً ينهشُ من روحِه وطاقاتِه؛ إلى متى سنبقى نَستَهينُ بالأمراضِ النفسية التي تجعل المصاب يهلك نفسه بيده ؟ وكم ستتوسع فَجوةُ الابتعادِ عن العلاقات الاجتماعية المتينة؟ وهل ستزدادُ حالات الاكتئاب والانتحار في مجتماعتنا لتصبح منافسة لدول وصلت أوجها في اانتحار؟
 

currency أسعار العملات
15 يونيو 2023
العملة
سعر الشراء
سعر البيع
الأخبار الرئيسية
قوات الاحتلال تقتحم نابلس وتُحاصر أحد المنازل وسط اندلاع اشتباكات مسلحة
قوات الاحتلال تقتحم نابلس وتُحاصر أحد المنازل وسط اندلاع اشتباكات مسلحة
14يونيو، 2023
اقرأ المزيد
إصابة فتاة برصاص الاحتلال خلال اقتحام
إصابة فتاة برصاص الاحتلال خلال اقتحام "يعبد" غرب جنين واندلاع اشتباكات مسلحة
14يونيو، 2023
اقرأ المزيد
جماهير شعبنا في محافظة سلفيت تشيع جثمان الشهيد أحمد طه
جماهير شعبنا في محافظة سلفيت تشيع جثمان الشهيد أحمد طه
14يونيو، 2023
اقرأ المزيد
الأكثر مشاهدة
غالانت يلتقي أوستن في بلجيكا الخميس بسبب منع نتنياهو سفره إلى واشنطن
غالانت يلتقي أوستن في بلجيكا الخميس بسبب منع نتنياهو سفره إلى واشنطن
14يونيو، 2023
اقرأ المزيد
واشنطن: نشرنا مقاتلات F22 في الشرق الأوسط إثر السلوك الروسيّ
واشنطن: نشرنا مقاتلات F22 في الشرق الأوسط إثر السلوك الروسيّ "غير الآمن"
14يونيو، 2023
اقرأ المزيد
الخارجية: نتابع غرق قاربين قبالة السواحل اليونانية
الخارجية: نتابع غرق قاربين قبالة السواحل اليونانية
14يونيو، 2023
اقرأ المزيد