بقلم: حمدي فراج

هزت صورة الطفل محمد ربيع عليان، ابن الخمس سنوات ، من القدس ، يقتاده والده الشاب من يده الى مقر مركز شرطة الاحتلال للتحقيق معه ، هزت وجدان العالم ، نظروا اليها بذهول كلي ، مصدقين ومشككين ومكذبين ، حدقوا في وجه محمد ، دققوا إن كانت كفه الاولى قادرة ان تثني اصابعها الصغيرة على اصابع ابيه ، دققوا في الكف الثانية التي كانت تحمل "الزوادة" التي سيقتات عليها بعد التحقيق ، او حتى خلاله ، دون ان تعرف أمه ان كان المحققون سيسمحون له بتناولها او الاكتفاء بقضمها.

على بعد بضعة كيلو مترات من محمد و زوادته ، كان بنيامين نتنياهو "ملك اسرائيل الحديث" الذي احتفل مؤخرا انه اكثر رئيس وزراء يحكم اسرائيل ، يفتتح متنزها في مستوطنة افرات ويشد على ايدي السكان الجدد : انكم ومستوطنتكم باقون هنا الى الأبد.

ويردون عليه من خلال اليافطات التي ملأت المكان : انت شريكنا في عاصمة غوش عصيون كجزء من "اورشليم" عاصمة اسرائيل الى الأبد.

ربما استند نتنياهو والاسرائيليون الجدد الى موافقة المفاوض الفلسطيني على استبدال "أرض بأرض" "متساويات في المساحة والقيمة" ، ومن ضمنها بالطبع "غوش عتصيون" ، ولكن من يضمن لكم تأمين ذلك من محمد الذي بالكاد تتسع لخطواته الصغيرة شوارع القدس العريقة من العيسوية الى صلاح الدين الى الزهراء مرورا بواد الجوز ؟ فيتضح ان خطوات محمد ليست صغيرة ولا قصيرة ، بل خطوات عدا عن انها واسعة فإنها ثابتة، كان المحققون يستعدون استعدادا استثنائيا لمواجهة هذا العملاق ، من اين يبدأون معه وكيف سيطلبون منه على الاقل التوقيع على افادته ، نقلهم هذا الى احمد مناصرة قبل حوالي ثلاث سنوات، حين تسرب شريط التحقيق معه وحيدا بدون ان يكون بصحبته والده او حتى محامي نادي الاسير ، ظل طوال مدة التحقيق يقول لهم : لا أذكر ، انا ناسي ، رأسي يؤلمني ولا يستطيع التذكر ، يقودهم محمد الى ابو خضير والى علي دوابشة ، هل نفعل معه ما فعله الساكنون الجدد نحرقه بالبنزين والمولوتوف في البيت او في طريق عودته اليه ، ام نقنصه كما قنصنا العشرات وربما المئات من امثاله ، محمد الدرة ، اركان مزهر و رفيدة ابو لبن ، ناصر القصاص، محمد ابو عكر، (اليوم يوجد في السجن قيد الاضراب عن الطعام منذ 32 يوما محمد ابو عكر آخر) وعلى فراش الموت السريري عبد الرحمن شتيوي من كفر قدوم.

بعد يوم من استدعاء محمد للتحقيق ، تم استدعاء محمد آخر (قيس عبيد) ومن الخليل طفلة اخرى اسمها ملاك سدر تبلغ من العمر ثماني سنوات ، وقبل ايام ابعد طفل بصق على المدون السعودي اسمه مالك عن محيط الاقصى لمدة اسبوعين ، سيعود بعدها متربصا بأي زائر عربي آخر.

"ابصق ثانية ، هذا والله مكان البصق / ابصق تبكي غضبا / قالوا صوتك يخدش اخلاق الجمهورية / اربأ ان تسمع / واستعذ الله / اعطاك السعفة وطريق التبانة / اعطاك بان تصبح طفلا عند الحاجة للعب ، وسيفا حين يجد الجد". مظفر النواب