28-04-2024
broadcast
الأخبار
لماذا التمادي في استباحة "الأقصى"؟ /بقلم: علي جرادات
05مارس، 2014 - 07:26ص

 لم تتورع أولى حكومات إسرائيل عن تجاوز حدود خريطة القرار الدولي 181 لتقسيم فلسطين عبر السيطرة على 78% من مساحة فلسطين الانتدابية بحسبان أن "حدود إسرائيل هي حيث يقف آخر جندي من جنودها" كما صاغ الأمر وأسس له بن غوريون في العام 1948.

ولم تتورع عن أن يكون الشطر الغربي للقدس ضمن حدود كيانها أو عن تسمية شطرها الشرقي بـ"المحور العسكري للقدس"، ذلك رغم أن قرار التقسيم وضع القدس تحت وصاية دولية للحيلولة دون تغيير معالمها بحدودها الممتدة - حسب خريطة التقسيم - من بيت لحم جنوباً حتى بلدة كفر عقب المحاذية لمدينة رام الله شمالاً، ومن بلدة أبو ديس شرقاً حتى بلدة عين كارم غرباً.

وبعد احتلال ما تبقى من فلسطين العام 1967 لم تتورع حكومات إسرائيل عن ضم الشطر الشرقي للقدس بحذر عكسه إرجاء قرار التطبيق الكامل للقوانين الإسرائيلية على سكانه الفلسطينيين حتى العام 1981، إنما دون اعتبارهم "مواطنين" بل "مقيمين" في "العاصمة الأبدية والموحَّدة لدولة إسرائيل".
عكس قرار السيطرة على الشطر الغربي للقدس العام 1948، وقرار ضم شطرها الشرقي العام 1967، خطة صهيونية مبيتة لتهويد القدس وتغيير معالمها الجغرافية والسكانية والحضارية والعمل الممنهج على تفريغها ما أمكن من سكانها وقياداتها الوطنية السياسية والمجتمعية.

وكان ذو معنى سياسي كبير اقتران ضم شطرها الشرقي بنقل مقر محكمة التمييز الاردنية من القدس إلى رام الله وإحلال "المحكمة المركزية" الإسرائيلية مكانها، ما قاد إلى إضراب الغالبية الساحقة من محامي وقضاة الضفة بمن فيهم المقدسيون عن المرافعة امام محاكم الضفة والقدس أو العمل فيها حتى العام 1994.

شكلت اجراءات الخطة الصهيونية تجاه القدس انتهاكاً صارخاً لحساسية مكانتها الدينية والحضارية التي بفعلها اضطر صانعو القرار الدولي 181 لوضع المدينة تحت وصاية دولية للحيلولة دون تغيير معالمها.

رغم ذلك ظلت حساسية المكانة الدينية والحضارية للمقدسات الإسلامية والمسيحية بمثابة لغم تجنبت حكومات إسرائيل المتعاقبة التمادي في الاقتراب منه خشية أن يشعل انفجاره حرائق يصعب السيطرة عليها.

يشي بذلك قبول حكومات إسرائيل بألوانها ببقاء الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى وحرمه الشريف كما تم التأكيد عليه في "معاهدة وادي عربة للسلام" بين الطرفين في العام 1994.

فقادة إسرائيل رغم ما بيدهم من عوامل قوة هائلة بالمعنى الشامل للكلمة، ورغم ما يميزهم من صلف سياسي قل نظيره وتشدد أيديولوجى لا يضاهى وعقلية توسعية عدوانية فالتة من كل عقال، ورغم ما فرضوه من وقائع استيطانية وتهويدية في فلسطين عموماً، وفي قلبها القدس خصوصاً، يدركون أن التمادي في الاعتداء على المسجد الأقصى، (مثلاً)، كان السبب المباشر لاندلاع "انتفاضة البراق" العام 1929، وهبة النفق، 1996، بسبب الحفريات تحت الحرم، وانتفاضة الأقصى، 2000، بسبب زيارة شارون الاستفزازية لباحات المسجد.

لكن ما يجري الآن في القدس وحرمها خصوصا من محاولات سن تشريعات لفرض السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى وإطلاق العنان لغلاة المستوطنين وممثليهم في الحكومة و"الكنيست" لاستباحة الحرم القدسي، هو، وإن جاء ترجمة لنوايا مبيتة وتوق قديم جديد للاستيلاء على الحرم القدسي أو تقسيمه، إلا أنه لم يكن ليكون بهذا المستوى من العنجهية لولا ما يسود مراكز القوة العربية من انكفاء على الهموم والقضايا الداخلية، بما زاد الحالة الفلسطينية المنقسمة على نفسها والمرتهنة لخيار التفاوض العقيم المدمر ضعفاً على ضعف، ولولا غبطة قادة إسرائيل وحكومة المستوطنين فيها مما يجري من حرف لبوصلة الانتفاضات الشعبية العربية على يد الجماعات التكفيرية الدموية التي تتاجر بالقدس وتطعنها في القلب، وتتلطى باسمها وترتكب كل صنوف الفتن والحروب الطائفية والمذهبية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليبيا وتونس والحبل على الجرار.

فقد قلبت هذه الجماعات معيار المقاومة والجهاد حيث لم يعد لفلسطين وقلبها القدس أي مكان في تفكيرها وأجندتها، رغم أن كثيرا منها ينتحل مسميات تنتسب إلى القدس وبيت المقدس... الخ.

على أية حال، صحيح أن محاولات سن تشريعات للسيطرة على الحرم القدسي وتقسيمه مكانيا وزمانيا، وإنهاء الولاية الأردنية عليه، دونها "خرط القتاد" حتى تتحول إلى قوانين سارية، لكن الصحيح أيضا أن مجرد الإقدام على المحاولة، إنما يشكل تمهيداً لاستدخال الفكرة إلى الوعي الفلسطيني والعربي والعالمي، بحيث يصبح تكرار الاستباحة الميدانية والسياسية والقانونية أمرا معتادا من شأنه أن يكرر ما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل بعد المجزرة العام 1994، التي عوض أن تفضي إلى طرد المستوطنين من قلب المدينة، استخدمها قادة إسرائيل لتمرير مخطط مبيت لتقسيم الحرم الإبراهيمي.

إن تعود قادة إسرائيل على تجريع العالم مخططاتهم الصهيونية بشكل تدريجي بات سمة وعنوانا لسياساتهم اليومية.
إذ ألم تتنفس غولدا مائير الصعداء رغم قلقها السياسي عندما جاء رد الفعل العربي اقل بكثير مما توقعت بعد جريمة حرق الأقصى العام 1969.

لقد رسمت مائير سياسة التمادي في استباحة القدس والأقصى وكل المقدسات مع الاطمئنان إلى ضعف الرد العربي وشكليته.

ما يتعرض له المسجد الأقصى من استباحات سياسية وميدانية غير مسبوقة إن هو إلا جزء من عملية التهويد المستمرة والمتصاعدة للقدس.

فبعيدا عن العموميات، ثمة اليوم سوق سياحية يهودية كبرى تقع في الأنفاق تحت الأقصى.

سوق قتلت أسواق المدينة القديمة، وثمة مظاهر أخرى كثيرة تجلل شوارع المدينة بالحزن والخواء، وثمة عملية تفريغ ممنهجة للمدينة عبر تسهيل البناء الفلسطيني في مناطق مقدسية خارج جدار الفصل، ما يحولها إلى مناطق جذب للجيل المقدسي الجديد.

خذوا مثلاً كيف تحولت ضاحية كفر عقب المقدسية المتاخمة لرام الله إلى مدينة سكنية مكتظة بأبناء القدس الذين أعيتهم تعقيدات الحصول على رخصة بناء مسكن في المدينة، ما يعني أن مجرد إعلان أن حدود القدس هو الجدار سيحرم كل هؤلاء المقدسيين بجرة قلم من حقهم في الحياة أو الوصول إلى المدينة.

وهنا تكون النتيجة تفريغ المدينة من عشرات آلاف المقدسيين. ناهيك عن دلالات قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية ولأول مرة منذ العام 1967 تحديد مدة صلاحية الهوية المقدسية بعشر سنوات، فضلا عن دلالات قرار وزارة المعارف تطبيق المنهاج التربوي الإسرائيلي على مدارس القدس كافة بعد أن كانت تسمح بتدريس المنهاج الأردني ثم الفلسطيني منذ نشوء السلطة الفلسطينية العام 1994.

خلاصة القول: لئن كان كل ما جرى من استباحة ميدانية وسياسية وقانونية للقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية منذ العام 1948 وحتى اليوم صدى لصوت مخطط صهيوني قديم جديد لتهويد القدس وفرض تسليم العالم بخرافة أنها "العاصمة الأبدية الموحدة لدولة إسرائيل" المطلوب الاعتراف بها "دولة للشعب اليهودي"، فإن تصعيد هذه الاستباحة الميدانية والقانونية إنما يشكل وجهاً من أوجه سياسة حكومة المستوطنين القائمة في إسرائيل الطامحة لفرض مواقفها الصهيونية التعجيزية يشجعها على ذلك الضعف غير المسبوق في واقع راهن الحالتين الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، عدا التبني الأميركي الرسمي العلني لهذه المطالب الصهيونية.

وهو التبني الظاهر بلا لبس أو إبهام في ما يتسرب من بنود "خطة كيري"، منها اعتبار ضاحية بيت حنينا عاصمة دولة فلسطين التي يراد لها ألا تحمل من مفهوم الدولة المستقلة والسيدة غير الاسم.

currency أسعار العملات
28 أبريل 2024
العملة
سعر الشراء
سعر البيع
الأخبار الرئيسية
الاحتلال يعتقل 15 مواطنا بينهم فتاة وطفلان من الضفة
الاحتلال يعتقل 15 مواطنا بينهم فتاة وطفلان من الضفة
28أبريل، 2024
اقرأ المزيد
بريطانيا تدرس نشر قوات في غزة
بريطانيا تدرس نشر قوات في غزة
28أبريل، 2024
اقرأ المزيد
الاستعدادات لإصدار مذكرات اعتقال هذا الاسبوع ضد نتنياهو وغالنت وهاليفي
الاستعدادات لإصدار مذكرات اعتقال هذا الاسبوع ضد نتنياهو وغالنت وهاليفي
28أبريل، 2024
اقرأ المزيد
الأكثر مشاهدة
بمشاركة الرئيس: انطلاق أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض
بمشاركة الرئيس: انطلاق أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض
28أبريل، 2024
اقرأ المزيد
مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى
مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى
28أبريل، 2024
اقرأ المزيد
طلبة الجامعات الأميركية يواصلون مظاهراتهم ضد تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة
طلبة الجامعات الأميركية يواصلون مظاهراتهم ضد تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة
28أبريل، 2024
اقرأ المزيد