كتب المحامي محمد حمدان سفير النوايا الحسنة للإنسانية في فلسطين التغذية القسرية نوع من أنواع التعذيب
أعطى المستشار القانوني لدولة الإحتلال الإسرائيلي مؤخراً الضوء الأخضر للمضي قدماً بمناقشة مشروع قانون "التغذية القسرية" للأسرى المضربين عن الطعام وإقراره من الكنيست الإسرائيلي، ورغم أن الإحتلال يمتلك القوة المادية ويمتلك مفاتيح الأبواب المغلقة على الأسرى الفلسطينيين، لكنه لا يزال عاجز عن إمتلاك حريتهم الحقيقية و إرادتهم وقدرتهم على الإبتكار و الصمود في وجه الجلاد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. وعادة ما تفشل أدوات الإحتلال القوية أمام قوة كامنة من نوع آخر تمتلكها الشعوب الحرة، فالتاريخ يشهد على الفشل المتواصل للبندقية في سجالها مع الفكرة، والقنابل في مواجهة القلوب المؤمنة، والقيود أمام العقول، والباطل أمام الحق وإن كان مدججاً بالسلاح، لكن الإحتلال الإسرائيلي يأبى أن ينخرط في طابور المستعمرين وفشلهم المعتاد أمام تلك القوة الكامنة، فيقوده التخبط لمحاولة شرعنه جرائمه بنص قانوني من وضع يديه ليصد به عن نفسه شبهة الإجرام وإنتهاكات حقوق الإنسان. وفي معرض الحديث عن الإنتهاكات فإنني أربط هذا القانون بجريمة التعذيب ربطاً مباشراً وهي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي، فمن جهة سيشكل إقرار هذا القانون (إن تم) سابقة خطيرة في تكريس التعذيب بنص قانوني إذ تلتزم الدول في الوضع الطبيعي بإتخاذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية لمنع أعمال التعذيب وليس شرعنتها خلافاً لنص المادة الثانية من الإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺿﺮوب اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ أو اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ أواﻟﻼإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﻤﻬﻴﻨﺔ لعام 1984، ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يطلق العنان لإرتكاب جرائم تعذيب على مستوى واسع ضد الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام أو من سيقدمون على الإضراب بالمستقبل للمطالبة بحقوقهم المشروعة. إن التغذية القسرية جريمة تعذيب لا يمكن إنكارها، فالتهديد حاصل وهو نوع من أنواع التعذيب النفسي، حيث سيستخدم الإحتلال من خلال هذا القانون أدوات الترهيب والتهديد والعنف النفسي ضد الأسرى المضربين عن الطعام بأنه سيتم تغذيتهم قسرياً إن لم يتوقفوا عن الإضراب، كما أن التغذية القسرية فيها إهدار للكرامة الشخصية ومساس بالحرية الشخصية و حق الإنسان في التعبير عن رأيه وحقه في الإختيار، والتغذية القسرية أيضاً تعد من قبيل المعاملة اللاانسانية لأن فيها إكراه للأسير على إتخاذ قرار على عكس قناعاته وسلباً لإرادته بشكل قسري وبأسلوب منافي للقيم الإنسانية، كما أن التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام تعني إرتكاب جريمة التعذيب الجسدي والإكراه البدني كالضرب والتقييد وغيرها من الممارسات العنفية التي ستصاحب إرغام الأسرى على التغذية. جريمة التغذية القسرية لا تزال في إطار مشروع قانون يتم تداوله في الأروقة الأمنية والتشريعية الإسرائيلية، وهذا يتطلب ملاحقة لهذه الجريمة محلياً ودولياً ومحاولة وأدها قبل أن تصبح سيفاً مسلطاً على رقاب الأسرى الفلسطينيين الذين خاضوا وسيخوضوا حرب الامعاء الخاوية كوسيلة نضالية أخيرة لإنتزاع حقوقهم ووقف جرائم الإحتلال بحقهم، وإن كان الأسرى في سجون الإحتلال هم الأقدر على التصدي لجرائم الإحتلال أكثر ممن هم خارج القضبان.