بقلم: عماد نجم

تتشكل الذاتُ -وفقاً للمحلل النفسي جاك لاكان- بدايات الشهر السادس للطفل، فيما أطلق عليه مرحلة المرآة، حيث يزهو الطفل بنفسه ويلفت انتباهه انعكاسُ صورته على المرآة، والذي يلهمه بفكرة انفصاله عن الغير تدريجياً.

ولأن القدرة البصرية آنذاك تكون أكثر تطوراً من القدرة الحركية للطفل، ينشأ ما يمكن أن يُطلق عليه صراعاً وتوتراً بين الصورة الكاملة للطفل على المرآة، وبين شعور الطفل الجسدي المتشظي والغير قادر على السيطرة الحركية بشكل كامل، بعكس الصورة الكاملة التي تبدي للطفل كماله.

يتجه هذا الصراع والتناقض بالتعامل مع التوتر الناتج إن صح التعبير، باختيار تماهي الطفل مع الصورة المنعكسة "الكاملة" الوهمية على اعتبار ما سيكون لاحقاً، وهو ما يشكل الأنا، والذي بدوره يجعل الذات مغتربة عن ذاتها، وبالرغم من دخول الطفل فيما بعد لعالم الرموز واللغة والمحددات الاجتماعية، إلا وأنه تبقى صورة المرآة أو الآخر هي النموذج الأساسي الأول، الذي يمتد فيما بعد بطريقة ما.

على صعيد منفصل "عقلك يخدعك" اسم احد البرامج العلمية التي بحثت تأثير الخداع العقلي في عمليات التفكير واتخاذ القرارات، بالحكم على الأمور وتصنيفها والتعاطي معها، حيث أظهرت النتائج بالاختبارات المختلفه أن ما نسبته ٩٥٪‏ من المبحوثين قام عقلهم بخداعهم -على حد تعبير مُعدّي البرنامج- تحت تأثير الانطباع الأول، أو السمع، أو النظر، أو حتى التذوق، دون اضطرار مقدمي الاختبارات لعمل الكثير.

وكان من الكافي أن يطلبوا من المبحوثين النظر لغرفة زجاجية يجلس فيها خمسة أو ستة أشخاص باختلافات عمرية واضحة، طالبين منهم اختيار شخص ليقوم بتقديم دعاية ترويجية لمنتج عطر وبعد الاختيار تُطفأ الأنوار، ويتم تغيير أماكنهم، ليضعوا بدلاً من الشخص الذي اختاره المبحوث شخصاً غيره يفوقه سناً ولا يمت له بصلة شكلاً، حتى يختار المبحوث نفس الرقم الذي حل به شخصٌ جديد، وعند سؤالهم عن إذا كانوا متأكدين بأن اختيارهم لنفس الشخص أجاب معظم المبحوثين بالإيجاب.

وبالرجوع من أسس الاختيار لمرحلة المرآة، فإن المبحوثين قد اختاروا الشخص الذي يمثل الصورة الكاملة عن الذات، وربما فشلهم في تمييز التغيير يوضح حقيقة الوهم للذات المتكاملة.

كان أيضا كافياً لمبحوثين آخرين اختبار شرب "العصير"، الذي تم إخبارهم بأنه "كحوليات"، ليترنحوا ويظهروا علامات السكر بالرغم من أن ذاك العصير لم يكن يحوي "الكحوليات"، واختفت تلك الآثار عن المبحوثين بمجرد كشف الحقيقة لهم !

لا أعتقد بأني أذكر ما سبب بدايتي في كتابة ما سبق، لكن ما أعتقده حالياً أن علينا في يوم من الأيام الكف عن المحاولات الحثيثة، لاكتشاف وحل الخداع والمؤامرات الخارجية والإقليمية، والاستعداد لمحاولة إعادة النظر في خداع ووهم ذواتنا وعقولنا لانفسنا !