بقلم: حمدي فراج
النصر الذي حققه حزب الله على جبهة النصرة في جرود عرسال في زمن قياسي بشكل اجتثاثي ماحقي ، كان في حيثياته ابعد واعمق مما هو انتصار على "النصرة"، التي تسمت بهذا الاسم الادعائي من انها ستنصر الله في سوريا، فلم تستطع ان تنصر نفسها، صدقها خليط عجيب كبير من بسطاء الناس وأنظمة عربية خليجية وازنة واقليمية مجاورة وانتهاء بأمريكا وبريطانيا وفرنسا، التي عارضت اعتمادها منظمة ارهابية في مجلس الامن، ثم ذهبت بعد ذلك الى النزول عند الاملاءات بتغيير اسمها الملوث بالجرائم المخزية، الى جبهة فتح الشام، لكن العجيب في خليط التأييد لهذه الجبهة انها طالت بعض قوى اليسار السوري والعربي ، بالاضافة الى دولة اسرائيل.
في تفاصيل الانتصار ، الذي اعقب الانتصار العراقي على داعش في الموصل ، وتقويض ما يسمى بدولة الخلافة ، وردمها على رؤوس اصحابها ، بدا واضحا مدى القلق والغضب في بعض دول الخليج من خلال وسائل اعلامها العملاقة ، التي فجرت صراعا ذاتيا في مجلس تعاونها المشترك وشنت حصارا شاملا على دولة قطر.
الكثير من الانظمة العربية لم ترق لها هذه الانتصارات النوعية الكبرى ، فأحجمت عن التطرق لها ، ولم تكلف نفسها بتقديم برقية تهنئة ، حتى من ذلك النوع الخجل ، حرصا على مشاعر هذه الدولة او تلك . لكن اسرائيل ابدت انزاعجها العلني ، ووصل ببعض من رموزها الامنيين التحذير من ان حزب الله في تحرير عرسال انما كان يحاكي سيناريو مستقبلي لاحتلال بلدات جليلية.
خرج من عرسال نحو عشرة الاف شخص في اكثر من مئة حافلة ، مئات من عناصر النصرة المنهزمة ، وعائلاتهم ، في حالة من الاذلال والهوان والانكسار ، ترفرف فوقهم وعلى جنبات الطريق الطويل اعلام حزب الله ولبنان وسوريا ، لم يكن في استقبال الالاف من هؤلاء أحد ، مقابل اطلاق سراح خمسة من مقاتلي الحزب ، كان في استقبالهم عشرات آلاف المواطنين، في الاحتفال المركزي ومثلهم في بلداتهم ، الهرمل ويأطر ، ومجدل سلم والشرقية ، ووجه المحررون شكرهم وعرفانهم وامتنانهم الى الشهداء الذين لولا دماءهم لما عادوا الى بيوتهم على هذه الشاكلة المنتصرة ، موصولا للسيد حسن نصر الله وبشار حافظ الاسد.
ان الحركات الاجرامية التي حاربت في سوريا على مدار سنوات ، حرقت فيها الاخضر واليابس ، لم تدرك بعد ، ان لا قيمة حقيقية لها حين تكون بدون جماهير ، تحميها وتسيجها وتشكل معينها الذي تغرف منه تضحياتها ومقاتليها وقياداتها ، حتى لو تسمت بأسماء النصرة وجيش خالد وفتح الاسلام ودولة الخلافة ، بأرصدة مالية مفتوحة ، واسلحة جديدة خارجة للتو من مخازنها ، فإن مصيرها ، سيكون كما مع مصير "النصرة" في حافلات المذلة والعار والانكسار . الامر ينسحب على كل من يدعمها من دول وانظمة وحركات واحزاب.