بقلم: حمدي فراج
دخل الاسرى الفلسطينيون في اضرابهم المفتوح عن الطعام شهرهم الثاني وسط اشارات دامغة وحاسمة انهم مستمرون ، تعدت تصريحاتهم الى افعالهم التي توقف فيها بعضهم عن شرب الماء كي يعجلوا في حسم المعركة التي لم يكن لأحد توقع امتدادها الى هذا الحد ، ليس من باب عدد الايام ، بل من باب عدد المضربين الذين ابتدأوا بألف وخمسمائة ثم لامسوا حدود الألفين ، وهو رقم مهيب ، لم يشهد تاريخ الثورات المعاصرة شبيها ، ومن بينهم قادة كبار في العمر والقدر.
يتصادف كل ذلك مع وصول الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب الى المنطقة ، ليعقد ثلاث مؤتمرات تضم نحو اربعين دولة في الرياض ، وما تنامى الاعلان عن ميلاد حلف عربي اسلامي سني امريكي لا تغيب عنه السلطة الفلسطينية ولا اسرائيل . بمعنى ان كل دول المنطقة ستحضره بلا منازع وبلا غياب باستثناء سوريا التي تحضر معارضتها بدلا منها ولبنان حيث يحضر رئيس وزرائها بدلا من رئيسها ، و ايران.
لكن اهم الحاضرين سيكون الاسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام على شكل أشباح هدهم الجوع والعطش ، رغم محاولة الجميع تجاهلهم ، لأن ظهورهم في المشهد يشكل حالة نشاز مخجلة في فسيفساء مشهد الانسجام والسلام والتحالف ، سيتجلون لهم في حالة اصطفاف مذهلة بدءا بكريم يونس اقدم اسير سياسي في التاريخ والعالم ، ومروان البرغوثي الذي دق على بيوت الاسرائيليين بيتا بيتا لكي يصنع معهم ولهم السلام ، فرفضوا – وفق الكاتب الاسرائيلي الكبير جدعون ليفي في مقالته مؤخرا في هآرتس – و احمد سعدات الذي قبل ان يكون محبوسا في سجنه الفلسطيني بحراسة امريكية بريطانية ، فهدموا السجن واعتقلوه مع نخبة من رفاقه ، فيدخل الان اضرابه الرابع عن الطعام ، وسامر العيساوي الذي اضرب تسعة اشهر وحيدا ومعه شقيقته شيرين المحكومة اربع سنوات ، والمهندس القسامي عباس السيد المتوضيء صهيل الفجر الذي يحمل على كتفيه ست وثلاثين مؤبدا ومئتي سنة اخرى ، ولم تتسع له صفقة شاليط ، يحضرون المؤتمر على وقع مهيب اسمه وقع الجوع على غياهب الشبع ، شبع التخمة التفاوضية وامراض سمنة التنازل المفرطة ، في الوقت الذي يعاني فيه ملايين اطفالهم العرب في اليمن والسودان ومصر والصومال وغزة وسوريا والعراق الموت جوعا ، يحضرون الى قاعات التفاوض السرية والعلنية وقاعات المؤتمرات ، والمفاوضات الجانبية الثلاثية والرباعية ، القاعات الوحيدة التي يتجنبونها ، هي قاعات الطعام.
انهم ، بقيادة مروان البرغوثي يشكلون الصاعق والهشيم ، بعد ان اخفقت عشرات محاولات الاضراب الفردي - دشنها المناضل خضر عدنان ومحمد علان وهناء شلبي وثائر حلالحة و محمد القيق ونضال ابو عكر وغسان زواهرة والشقيقين البلبول - في خلق هشيم ارحب.
في مقابلته الوحيده مع محاميه خضر شقيرات ، رفض مروان عبارة ننتصر او نموت ، بل "ننتصر او ننتصر".