بقلم: حمدي فراج
انتابني وانا اتطلع على مقتطفات خطاب ابو بكر البغدادي الاخير ، بصفته الخليفة الاسلامي الوحيد في العالمين العربي والاسلامي ، بعد سقوط آخر خليفة عثماني قبل حوالي مئة سنة، أنتابني شعور انه يلقي خطاب الهزيمة، رغم كلماته الكبيرة والنارية والدموية ، والتي من ضمنها يطالب شعب الموصل ان لا يستسلم وان يستمر في قتال الكفار ، ويطالب اتباعه :"حولوا ليل الكافرين نهارا ، وخربوا ديارهم دمارا ، واجعلوا دماءهم أنهارا." ، وهو – الخطاب – اشبه بكل خطابات الزعماء العرب عند ابواب هزائمهم ، وما أكثرها ، الهزائم والخطابات ، كلهم تقريبا قالوا نفس الكلام ، كلام فارغ من اي مضمون ، كلام له علاقة بالصمود والتصدي اللغوي والقتل والدماء ، والدين والرب الذي يتم تجنيدهما في خدمة الزعيم وزعامته ، ولو وضعت كلمات البغدادي بدون اسم صاحبها لاعتقدت الغالبية العظمى من الناس انها امام زعيم عربي ، اي زعيم عربي ، منذ "والله اني لارى رؤوسا قد اينعت ، وحان قطافها".
ولكنا سرعان ما نكتشف كم هي قريبة الهزيمة بعد الخطاب الناري ، يحضرنا هنا زعيم "الله أكبر" على علم البلاد ، وزعيم "زنقة زنقة" وزعيم "بأظافركم واسنانكم" ، وزعيم "تجوع يا سمك" ، وزعيم "شهداء بالملايين" ، وحتى في السودان وزعيمها يوقع على تقسيمها قبل بضع سنوات الى دولتين اشاد بالوحدة الوطنية . المفارقة انه عندما انتصرت ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي ، وقف احد زعماء الثورة ليلقي خطاب الانتصار لم يتفوه بأي كلمة ، وقف وبكى وجلس ، لانه لم يكن يجيد اللغة العربية بسبب حظر فرنسا تداولها.
لا يدرك خليفة المسلمين ربما ، ان الامة العربية عبارة عن مجموعة متراصة من الهزائم ، وانها تنتقل من طور سلبي متدن الى طور اكثر سلبية واكثر تدنيا ، حيث كانت قوى الاستعمار الغربي تتنطح لمحاربتها بشكل مباشر ، ثم عمدت الى تقسيمها وتفتيتها الى دول وقطريات وممالك ، بعضها لا يتجاوز عدد سكانها عدد جنود قواعد اعدائها على ارضها ، ثم خرجت من الباب لتقفز من الشباك ، ثم وصلت الى ان يحتربون فيما بينهم ويقتل بعضهم بعضا ، وكما أشار الخليفة في خطابه الاخير الى ان يجعل "دماءهم انهارا" . في الماضي ، كان خطاب الهزيمة / النصر ، يتضمن دائما فلسطين ، وان الطريق اليها يمر من عمان مرة ، ومن عبدان مرة اخرى ، ومن عدن بعد ان استولى عليها علي عبد الله صالح مرة ثالثة ، واليوم من حلب والرقة والموصل . لكن الذي لم أفهمه ، هو كيف يعني "تحويل ليل الكافرين نهارا".